للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أني ممن وقفت رغبتهم عند مجرد التلذذ بالمناظر الطبيعية الحسناء لكان لي فيما حوته بلادي من تلك المناظر مندوحة عن التطلع إلى أية بلاد أخرى، ولا غرور فإن الطبيعة لم تكن في بلد ما أسخى يداً ببديع المناظر وروائع المشاهد منها في أوطاني العزيزة. وناهيك ببحيراتها العظيمة كأنها مجارٍ من ذوب اللجين وجبالها الرافلة في وشي ألوانها الزاهية الشفافة ووديانها المفعمة نعمةً وخصباً وشلالاتها القاصفة في خلوات قيفارها. وسهولها المترامية الأطراف مواجةً بدوائب أغراسها الغامرة المتكاثفة وأنهارها العريضة العميقة منحدرةً في صمتها العميق إلى المحيط، وآجامها الوعرة المسلك غير المذللة ولا المطروقة مختالةً من نباتها الوحف الأثيث في مثل الوشى اليمانى. والديباج الخسرواني. رافلة في أقشب حلة وطيلسان. مزدانة بأجمل الحلي والتيجان. وسمائها الوهاجة بصقال السحب الصيفية ورونقها المعجب الفتان. وبنور الشمس المتبلج الأضحيان، ولا يزال الأمريكي غنياً بناظر بلاده عما سواها لا حاجة به إلى أن يلتمس في غير أوطانه جمال الطبيعة وجلالها:

ولكن ميزة آوروبا هي في اشتمالها على كنوز القصص والشعر والرواية فهنالك بدائع التصور ومحاسن آداب الطبقات العالية المهذبة وعجيب خصائص العادات القديمة والمحلية. فأوطاني ملأى بما يبشر بالمستقبل الحسن وآوروبا ملأى بذخائر العصور الخالية وودائع الدهور الغابرة فأطلالها البالية ورسومها العثية تحكي قصة الأزمان الماضية وكل حجر دائر إنما هو سجل أخبار. وصحيفة آثار. وشاهد عبرة وتذكار، ودليل موعظة وإنذار. ولذا تاقت نفسي إلى غشيان مشهد المآثر الجليلة والمساعي النبيلة. والمناقب الغراء والآلاء البيضاء والمفاخر المشهورة. والمكارم المشكورة. والمحامد المأثورة. وحن قلبي إلى أن أقفو آثار شبح الماضي واتتبع أصداء صوت القدم. لفد أحببت أن أجوس خلال القصور الخربة والرسوم التبة. واعتبر بسقوط الأبراج النشيدة. والقلاع الحصينة الموصدة. فاتجرد بذلك برهة عن الأحوال العادية الحالية وانطلق مخلوع العذار جامخ العنان في أودية الغابر الخيالية وشعاب الماضي المبهمة.

وكنت فوق ذلك مشغوفاً بأن أبصر أعاظم رجال الدنيا. لا أنكر أن لدينا عظمائنا بالقارة الأمريكية ولا بلدة إلا قد أوتيت نصيبها من العظماء. ولقد خالطهم حيناً ما فبهرتني