للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أنا عاتب لتعتبك ... متعجب لتعجبك

إذ كنت حين لقيتني ... متوجعاً لتغيبك

فشغلت عن رد السلا - م وكان شغلي عنك بك

فهذا الاعتذار مالطة ولكنه مغالطة مليحة فهو من الفكاهة اللفظية لأن الصلة التي بين شغله بالتوجع لغياب صديقه وشغله عنه صلة توهم وليست مثل الصلة التي بين أخذ أعلا وجه الأصلع من رأسه وبين أخذ نهار الصيف من ليله في بيت الرومي فإنك إذا نظرت إلى الصورة المودعة في هذا البيت أي صورة وجه الأصلع ورأسه ثم رأيت كيف يجني تزايد يوم الصيف من تناقص ليله علمت كيف تميز الفكاهة الخيالية من الفكاهة اللفظية التي أصلها المغالطة في مثل اعتذار المتنبي والفكاهة الخيالية يلتذها المرء بخياله والفكاهة اللفظية يلتذها المرء بملكة المنطق لأنها مغالطة منطقية كان يريد صاحبك أن يبرهن لك مزاحاً باضطراب في المنطق أن شيئاً خطأ هو رأس الصواب أو أن شيئاً صواباً هو رأس الخطأ واعتذار المتنبي هو مثل من أمثال ذلك: أما الفكاهة الخيالية فهي التي تعرض عليك صورة من صر الخيال يبسم لها القلب وتحسب أن البيت الذي يحتويها صورة لا بيت شعر أما الفكاهة اللفظية فهي مغالطة يبسم لها الذهن فإنك إذا قرأت اعتذار المتنبي أعجبتك مهارته ولطف تخيله وهذا شيء مصدره الذهن وكذلك إذا عرض عليك قوله:

كأن السماني إذا ما رأتك ... تصيدها تشتهي أن تصادا

ولكن إذا عرض عليك قول ابن الرومي في الرجل الأصلع الذي يأخذ وجهه من رأسه أخذ نهار الصيف من ليله الأح لك بصورة فكاهية وقد تكون الفكاهة اللفظية أجلب للضحك من الفكاهة الخيالية لأن المغالطة عند العامة هي مصدر ضحكهم.

وليس لنوعي الفكاهة حدود معينة فلا تقدر أن تقول هذا حد الفكاهة الخيالية وهذا حد الفكاهة اللفظية فإنهما قد يمتزجان أنظر إلى قول الرومي في رجل بخيل:

فلو يستطيع لتقتيره ... تنفس من منخر واحد

هذا البيت يليح لك بصورة فكاهية صورة رجل من بخله يتنفس من منخر واحد ولكنها مغالطة مليحة لأن البخيل مهما كان بخيلاً لا يجد نفعاً له في أن يتنفس من منخر واحد حتى لو استطاع ذلك ولكن لا مغالطة في تشبيه تطاول وجه الرجل الأصلع على رأسه