للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بتزايد نهار الصيف وتناقص ليله لأنه ليس معنى التشبيه أن المشبه والمشبه به سواء فإذا نظرت إلى قول ابن الرومي في البخيل وجدت الفكاهة اللفظية ممتزجة بالفكاهة الخيالية وذلك أيضاً كائن في بيت أبي العلاء:

رويدك أيها الغاوي ورائي ... لتخبرني متى نطق الجماد

على أن أكثر الفكاهة اللفظية يجيء ممزوجاً بشيء من الفكاهة الخيالية وبقدر نصيبه منها يكون نصيبه من روح الشعر وشعراء الجاهلية وصدر الإسلام يستعملون الفكاهة الخيالية أكثر من الفكاهة اللفظية وهذا دليل على صحة أذواقهم ولكن شعراء الدولة العباسية قد أكثروا من استعمال الفكاهة اللفظية لأنهم تفننوا في أنواع المغالطة المنطقية وقد يجيئون بها مليحة وقد يجيئون بها سمجة.

ولكن أكبر عيوب شعرائنا هو استخدامهم الفكاهة في موضع الجد وهم لا يعرفون أنها فكاهة وقد ذكرت من أمثال ذلك استخدام المتنبي الفكاهة في المديح وهو لا يعرف أنها فكاهة وأقبح من هذا استخدامهم الفكاهة في الرثاء مثل قول إمام العبد في قصيدة يرثي بها الشيخ محمد عبده ما معناه أنه لبس سواد جلده حداداً عليه قبل مماته وإمام العبد لم يرد أن يمزح فيخالف أدب الرثاء ولكنه أتى بالمزح من غير قصد وعمد لأنه تعود قراءة أمثال هذا المزح في الرثاء والمتنبي إذا استخدم المغالاة في الرثاء حسبت أنه يمزح مع الميت أو أنه يسخر منه ويهزأ به ومن أمثال المزح في الرثاء قول شاعر يرثي إماماً العبد ويقول له في رثائه أعرني سواد جلدك كي ألبسه حداداً عليك هذا أقرب إلى باب السخر والتهكم واستعمال المزح في الرثاء دليل على سقم في ذوق الشاعر وشعراء الجاهلية وصدر الإسلام كانوا أصح أذواقاً من العباسيين لأنهم لم يستخدموا الفكاهة في موضع الجد من مدح أو رثاء أو حكمة إلا أن يجيئوا بها على سبيل التهكم أو السخر أو التعجيز وهم يريدون ذلك هذا مذهبهم إلا في القليل النادر ولكن بدأت الشعراء تستخدم الفكاهة في مواضع الجد وهم لا يعرفون أنها فكاهة في أواخر الدولة الأموية ثم في أيام الدولة العباسية وما زالوا يغالون في ذلك حتى جاؤا بالغث المستهجن في باب المديح والرثاء والحكم وشعراء هذا العصر يتابعونهم في سقم ذوقهم.

فخليق بنا أن نلتمس سلامة الذوق في شعر شعراء الجاهلية وصدر الإسلام وأن نضع