للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودق عن الأنظار. استحوذ العمل على جميع مشاعره ومداركه وجعل يبصر صورة الفتاة تتكون على اللوحة ويرى محاسن وجهها البديع وبشرتها الصافية الشفافة تنموتحت ريشته. ولم يفته أدنى لمحة أوظل مما اشتملت عليه صورة الفتاة حتى ولوصفرة خفيفة كانت تشوب بياضها ولا زرقة شفافة تحت الجفنين ولما هم أن يثبت على اللوحة خالا أسود كان على جبين الفتاة صاحت الأم قائلة (مهلا مهلا! لماذا ترسم هذا؟ لا حاجة بنا والله إلى ذلك. ثم خبرني عن هذه الصفرة ما أغراك بإظهارها في الصورة؟ وما هذه الزرقة تحت الجفن؟ وأي ثمرة فيها وما الفائدة منها؟

وهنا شرع المصور يبين للسيدة أن هذا تقتضيه أصول الصناعة وأن ما تستهجنه الآن من هذه الهنات الصفراء والزرقاء ستحمده فيما بعد عند كمال الرسم إذ تراه ضروريا لإظهار محاسن الصورة وأبراز ما تطوى عليه من معني الرقة والحلاوة ولكن السيدة عارضته وناقضته وكذبت أقواله. وقالت بئس والله ما حاولت أن تكدر به صفاء الصورة من هناتك الصفراء والزرقاء لقد شوهت حسنها وأذهبت رونقها. إن غرك ما رأيت اليوم على محيا ابنتي من آثار السهر والتعب فحسبت هذه الصفرة خلقة وما علمت أنه طارئ لا يلبث أن يزول فتنجاب سحابته عن أبهى لون وأصفى بشرة، ثم أمرته أن يسرع إلى محوما أثبتت يداه من تلك الجريمة.

فبدأ والحزن ملء قلبه أن يمحوذلك فسرت السيدة بذلك واستمر شارتكوف في التصوير على الطريقة المتبعة العادية الخالية من روعة الإبداع والإتقان والتخيل والافتتان المجردة من كل أثر للحذق واللوزعية والبراعة والعبقرية. فسرت السيدة بذلك. بنقطة طول ما استغرقت من الزمن. فقالت له لقد بلغها سريع اليد وأنه ربما أكمل الصورة في جلستين فكيف أنفق فيها كل هذا الوقت. ولم ينتهي منها بعد فوجم الفتى حائرا لا يدري كيف يجيبها على هذا الاعتراض ثم نهضت السيدتان وهمتا بالانصراف وألقى المصور فرشته جانبا وشيعهما إلى الباب ولبث بعد ذهابهما كئيبا مغتما ينظر إلى الصورة بمقلة ملؤها الأسف برهة طويلة.

نقول أدمن المصور كرة الطرف إلى تلك الصورة ثم تمثل لعين خياله ما كان أثبته أولا في الصورة ثم محاه من تلك الملامح الجميلة والمخايل الأنيقة والشمائل الرقيقة والمعاني