للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينبغي له أن يولد مرة ثانية على يد الحكومة.

أي تقهقر معيب محزن إلى مرحلة من مراحل التقدم قد جاوزتها البشرية من أزمان تصرمت وآماد بعيدة؟ أي تناقض لكل الأفكار الأساسية وكل القوات المؤثرة العاملة في أزماننا الحديثة؟.

كلما كان المجموع العضوي أكثر حضارة وتمدينا كان أكثر أصولية وأعم اختلافا وتنوعا وأخذ الشعب بنصيب محدود من الفرد وكل المجتمعات خاضعة لهذا القانون وفي العصور القديمة والعصور الوسطى كان المجتمع ملتئما التئاما كليا راسخا وكان ينظر إلى الفرد كوحدة من ذلك الكل فلم يكن إذ ذاك مجال للفرد تمتد فيه شخصيته ليكون أصوليا بل كان لزاما عليه أن يصب نفسه في قوالب ذلك المجتمع ويصوغها على أوضاعه ومن لم تكن تضمه الجماعة إلى هيئتها كان يعد ضالا شاردا لا يتفيأ ظلال القانون وحمايته وهذه المرتبة من مراتب التقدم البشري تشبه الجذر الكثير السيقان قد نبتت فيه الأفراد المختلفة معا فهم ينمون نموا ناقصا في دائرة محدودة ولكن في الأيام الحديثة جاوزنا ذلك فليس ثمة من تكوين مرجاني وكل فرد منا له وجود قائم بنفسه وإن كان هناك أعمال متوقفة على التساند والتعاضد. ورابطة المسئولية التي تنظمنا كلنا في عقد واحد تترك لنا فسحة رحيبة من الاستقلال وهذه الفردية هي نتاج الأزمنة الحديثة وهي التي تضحي الآن برغبة من أخل إحياء ذلك الطراز القديم من الهيئة الاجتماعية التي يعد الفرد فيها خلية لا قيمة لها ولا تأثير.

إن المعنى الفكري لكلمة حكومة يشملنا جميعا ولكن المعنى العملي لها يشمل الفريق الذي بيده مقاليد الحكم أوفئة قليلة مخصوصة أوفرد واحد فإذا أكبرنا اعتبار الحكومة وأحللناها فوق كل شيء فإن هذا معناه الرغبة في إرضاء فريق خاص أوفئة قليلة أوشخص واحد وطريق ذلك أن يهمل الإنسان أعمق دخائله وأصفى سرائره وأن يعدل ميوله ورغباته وينشأ من ذلك أن فريق المتهذبين يصبح أشبه بالنظام الجزويتي الذي قدم أعضاؤه العقل ذبيحة للتضحية وتنازلوا عن التفكير بأدمغتهم فإذا سئل أحدهم رأيه في مبحث ما فإنه لا يدري ما يقوله فورا بل لا معدل له عن العودة إلى استماع آراء غيره وكثيرون يتركون حقهم ويضعون كل أفكارهم وأعمالهم تحت وصاية استبدادية لا يلبثون أن يفقدوا الشعور