للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بضغطها.

وقد يعترض عليّ بأن الأمور لا تنتظم إلا بهذه الطريقة وأني ذهبت في موضع آخر إلى أن الجماهير عاجزة عن التفكير المبتكر المستقل وإن هذا إنما يأتي من الأقلية الشاذة وينتقل بطريق الإيحاء الطبيعي من الأقلية الصغيرة إلى الأكثرية الكبرى ولكنه يوجد فرق ضخم بين الأفراد أوالفئة التي تلج أفكارها إلى رؤوس الجماهير من طريق الإيحاء الطبيعي وبين ترسيخ الحكومة للأفكار في أذهان الشعب بكل إجبار وقسر إذ في الحالة الأولى لا ينجم أي إخلال بالقوة العضوية ولا يقع تحت تأثير العقل الأسمى إلا فريق من الناس لا يستطيعون إلى التفكير سبيلا ولا يملكون أداته بينما في الحالة الثانية تهن قوة العقول الكبيرة الجديرة بالابتكار وتشل قوتها.

وللحكومة مصلحة في إدامة تلك الحالة ولذا فهي تبطل وتخمد كل معارضة من الرأي العام وتضع مملكة كبيرة واسعة تحت أقدام وزير وزملائه يصرف عنان الأمور كيف يشاء وتدخل على الشعب إن كل معارضة لساسة الحكومة تنافي أخلاق الشرف والنزاهة.

وليس في تلك الحال مفسدة للأخلاق فحسب بل هي ضارة بالمستقبل ولقد قرأت فيما قرأت عن ميشيل انجيلوأنه بعد أن أمضى اثنين وعشرين شهرا في نقش سقف كنيسة سيستين اعتادت عيناه النظر إلى فوق حتى صار عاجزا عن النظر باستقامة أمامه أوإلى الشمال أوإلى اليمين كما يعمل الإنسان بلا مشقة بل كان يمسك بالكتابة التي يريد قرأتها ويرفعها فوق عينيه وهذا ما يصيب أولئك الذين ألفوا الحول إلى رؤوس الحكومات فهم يفقدون حرية النظر واستقلال الفكر ولا يستطيعون النظر بسهولة إلى الأخطار التي تحتشد عليهم من النواحي الجانبية والأطراف وهم لا يكترثون لبلادهم وليس غرضهم نفعها وإنما جل غرضهم ومطاف أملهم هوأن يتنازل أحد من بيدهم القوة من شاهق عليائه إلى مصافحتهم باليد أوأن يظفروا منه بابتسامة.

ولقد يقولون فيما يهرفون به عن صلاح تلك الأحوال إنها مليئة بحصر قوة الشعب وضم منتشره وجمع متناثر قوته عند مواجهة الشدائد ولكن هذا مغالطة لأن قوة الهيئة المتجمعة تتوقف على قوة منة الأفراد ونشاطها وهي منفصلة فإذا كانت مدخولة واهية فإن أي مقدار من النظام والتوجيه لغرض واحد لا يخلق لها قوة وإنك لتستطيع أن تدرب ألف شاة وتلقنها