للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنهم كذلك فهل تظن أنهم عارفون بجهلك بها. بل يجب ألا يبرح من بالك أنهم قرؤوا أقل منك، وعرفوا أقل من معرفتك، وإن الجرأة في هذا السبيل كفيلة بأن توجد لك حجرة في أكبر فنادق العالم، ومكانا متعاليا في أفخم قهوة في المدينة.

وإني لأذكر ذات يوم أن دخل رجل علينا ونحن جلوس في أحد الفنادق الكبرى، رجل أكبر ظني أنه من الصحفيين، وقد تبينت ذلك لأول وهلة، رجل لا يدري كيف يسوق الجاموسة، أويقود البقرة من حبلها بله الخيل والجياد الصافنات، رجل من الاشتراكيين لم يخرج إلى أرباض المدينة يوما إلا على (البسكليت) ولكنه إذا كان دوننا في كثير فقد كان أعظم منا وأكبر وأجل في شيء واحد وهوحذقه فن اكتساب الاحترام في القهوات والفنادق، لأنه جلس في مقعده وما كاد يشرب شرابه حتى انطلق يحدثنا عن قصة قنص له يوم طارد ثعلبا ماكراً خبيثاً. وهي حادثة لم تحصل مطلقا ولم تكتب له في اللوح المحفوظ البتة، وكنا خمسة عشر رجلا في الحجرة ولم يكن فينا رجل من الغنى بحيث يقدر على قنص كهذا. ولذلك ما عتم حديثه أن نفذ فيهم نفوذ السهم إلى الهدف، وأخذ بجماع قلوبهم على ما في قصته من أكاذيب ومفارقات تدل على جهله بفنون الصيد. ولكن القوم هم أجهل منه به لم يدركوا من هذا شيئا، بل عدوه إلها وحاولوا أن يوقفوا تيار حديثه ولكنه أبى إلا الإفاضة في أكاذيب ألعن من الأولى، فلم ينصرف إلا والناس محترموه وخدم الفندق ينظرون إليه نظرة الإعظام والإكبار.

ولك أن تغير المنظر وتبدل الفن بفن آخر إذا اختلجت بفؤادك خالجة شك في صلاحية ما ادعيت من الفنون ولكن اجتنب الخوض في فن صيد السمك، فإن ذلك في خطر لا يفيدك فتيلا إدعاؤه، لأن كل إنسان يعرف صيد الأسماك حتى الفقراء المساكين، ثم هناك خطر آخر وهوأنك لم تلم بأسماء أنواع الأسماك التي تسبح في البحار. فقد تدعي أنك اصطدت (قرموطا) عظيما من نهر (التايمز) مع أنه لا يوجد في نهر التايمز قرموطا واحد.

والطريقة الثانية في اكتساب الاحترام من غلمان الفنادق إذا كنت رجلا صموتاً قليل الكلام بطبعك وسجيتك، هي أن تعمد قبل الذهاب إلى النوم في حجرتك إلى كتابة عدة رسائل وغلف (مظاريف) تسمها بعنوانات طائفة من الوزراء وأعضاء الأسرة المالكة وأمراء الأمة وكبار الجواهرجية وعظماء السروات وأرباب الأموال وتضع كل تلك الغلف فوق المائدة