السائل بكلمتي (السياسة الإنجليزية). وهو قول لا يقد منه الإصلاحات أو المشروعات ولكن عموميات السياسة في الإدارة والتشريع والتنفيذ. وفرق كبير بين أن نقول مثلا ماذا كانت سياسة التعليم في مصر وبين أن نقول ماذا كانت حالة التعليم وإن كان بعض الأمر عي ذلك يحمل بعضه. فسياسة التعليم في مصر في عهد الاحتلال شرحها اللورد كرومر بعبارة وجيزة شهيرة وهي أن المدارس مصانع لتخرج الكتبة للدواوين! كذلك كانت سياسة التعليم في مصر ترمي إلى القضاء على لغة البلاد وتجنب كل منحى في التعليم يسمو بالنفوس أو يربي الملكات أو ينعش روح الوطنية أو يعود حرية الفكر واستقلال الرأي. أما حالة التعليم في مصر فمن أسوأ الحالات، فمن مدارس محدودة العلوم والفنون إلى قلة عدد المعلمين الذين أخرجتهم إلينا السياسة الإنجليزية في أربعين سنة إلى مناهج سيئة الوضع والاختيار لا تحقق أماني المصريين في التعليم بل كانت سببا في إرباك العقول الناشئين وشل استعدادهم وعدم تهيئتهم للنجاح في الحياة العملية مما دعا مستر كاربنتر رئيس المفتيشين في وزارة المعارف إلى كتابة تقريره الشهير الذي هو وصمة المعارف عندنا والذي وصف فيه ما آلت إليه حالة التلاميذ السيئة من جراء مساوئ نظام التعليم.
نعيد الكرة بعد هذا الشرح الذي شرحناه ونسائل أحاب المقتطف ما الذي جنته مصر من السياسة الإنجليزية على حريتنا رويدا رويدا وساب حقوقنا واحد بعد واحد؟ هل عملت السياسة الإنجليزية على تربية الشعب المصري تربية سياسية استقلالية وأعدته إعدادا أخلاقيا وعلميا فاق به حالته من قبل؟ ألم يكن لنا مجلس نيابي تام السلطة فألغته سنة ١٨٨٣؟ ألم تسلخ السودان عنا وتجعله شركة الذئب والحمل بيننا وبينهم؟ ألم تتدخل في شؤوننا حتى سقطت وزارة فخري باشا بعد تشكيلها بأربعة وعشرين ساعة لأن اللورد كرومر لم يرضى عنها؟ ألم يقل اللورد جرانفل في برقيته الشهيرة أن على الوزراء المصريين أن يسمعوا كلمة المعتمد البريطاني أو يتركوا مناصبهم؟ ألم يستأثر الموظفون الإنجليز ومستشاروا الوزارات بكل السلطة في أعمال الإدارة والتشريع والتنفيذ حتى قال اللورد كرومر إن أصغر موظف إنجليزي له حق الطاعة على أكبر موظف مصري؟ وأخيرا ألم تحاول السياسة الإنجليزية أن تخمد روح الحرية وتطارد الحركة الوطنية بجميع الوسائل القهرية والاستثنائية من أمثال قانون المطبوعات وقوانين الصحافة والتجمهر و