اطلي من مثل هذا الرجل بعد أن ينهك نفسه في مطالعة الصحف والمجلات والروايات أن يمرن عقله في تسلق موضوع علمي أو فلسفي أو فني. . إنه سينبذ هذا العمل بعد قليل ولا يهتم بأن يشكو بأن عقله ليس في حالة مرضية وأنه يلزمه أن يعنى بتقويته وتمرينه، بل إنه سوف يرضى بالحالة التي هو فيها دون أن يشعر بشيء من الخجل أو الحزن المحض!.
أقول (الحزن المحض) لأن الحقيقة أن الإنسان يشعر بشيء من السف على رؤيته قواه العقلية على غير ما يحب من النشاط والعلم. وكثيرون يأسفون على جهلهم النظريات المهمة. . والسنون تمر. . وهم لا يشتغلون كل أربعة وعشرون ساعة سوى ست أو سبع ساعات. . ولا يحتاجون إلى أكثر من دافع أو مجهود أو نظام لينقذوا الذهن من خموده وركوده وينتفعوا بتمرين عضلاته ويزودوه بمفاخر المعرفة التي تزدهيه. إننا نقضي أيامنا لا نعمل عملا ولا نفكر تفكيرا ولا عذر لدينا من ضيق وقت أو قلة اختبار.
لماذا لا يتقدم إلينا أخصائي لتقوية العقل ويشرح لنا كيف ننتفع بعقولنا في الأعمال المهيأة لها! إذا كان هناك نظام لتربية الجسم فإن هناك نظاما يمكن استنباطه لتربية العقل. وبذلك نحقق بعض مطامعنا في الانتفاع في أوقات الفراغ بتلك الآلة العظيمة التي نتركها تصدا في رؤوسنا إننا لا تعوزنا الرغبة لنيل المعرفة وتقوية الذهن ولكن تنقصنا أولا قوة الإرادة - ولا اقصد قوة الإرادة للبدء في العمل ولكن للاستمرار فيه - وثانيا ينقصنا علاج الحالة السيئة التي صارت إليها أجهزة العقل بسبب إهمالنا. وعلى ذلك يكون العلاج منقسما إلى قسمين: تنمية قوة الإرادة وإصلاح حالة الجهاز العقلي. ويجب أن يسير هذان العلاجان جنبا إلى جنب.
العلاج
إن من السهل أن يعزم الإنسان أمرا في ساعة من ساعات حماسته واهتياجه ولكن تنجيز ما اعتزم صباحا إثر صباح ويوما بعد يوم وطول الشهور والأعوام هو العقبة الكؤود. ولا أظن احد من قارئي يخالفني في هذا. وكثير من الناس يتجاهلون هذه الحقيقة ويتساءلون: ماذا نعمل؟ وبما نشتغل؟ ويظنون أنهم قد أصابوا حل المشكلة إذا هم انحازوا إلى جانب طريقة من طرق تقوية الذاكرة أو تربية الذهن. وفاتهم أن الطريق ليست مهمة وإنما