ليبلغ خمساً وثلاثين سنة ثم لا يتخطاها، وأن الإنسان وهو حيوان أضعف منه جسداً وأصغر حجماً يبقى إلى السبعين وما فوقها، أو كيف أن الغراب يعمر مائتي عام بينما لا تعيش الإوزة إلا عشرين منها.
ولكن الذي نعلمه علم اليقين أن لكل كائن أجلاً يقضيه في الحياة، يبدأ من ساعة ولادته، فكأن الساعة تملأ تروسها لتدور إلى عدد معروف من الساعات. وقد ينقص هذا الوقت لطارئ يطرأ على ذلك الكائن. ولكنه لا يزيد بحال من الأحوال.
وللنوع كما للفرد أجل مقدور، فهو مثله ينشأ في وقت من الأوقات فيولد ثم ينمو ثم ينضج ثم يموت بعد ذلك. إلا أنه لا سبيل إلى وضع عدد السنين التي يقضيها كل نوع في حياته كما هو شأن أعمار الأفراد، ولكننا نعلم عن طريق علم الأحافير البالنتولوجي قواعد نستنتج منها أن صحة بنية النوع مرتبطة بنواميس مطابقة للنواميس التي تجري عليها صحة بنية الفرد، فما دام الفرد لم يبدد ما ركب فيه من القوى الحيوية فإنه يناضل بكل ما فيه من قدرة ليحمى نفسه ويرد عنها أذى أضداد بقائه، فإذا اضمحلت تلك القوى أو ضمرت وهت عزيمته في الاحتفاظ بنفسه وفتر شوقه إلى مقومات وجوده فيفنى، وعلى هذا النمط تظهر قوى النوع الحيوية في ميله إلى الاحتفاظ بنفسه أو معناه ميل أفراده إلى التناسل وتكثر عددهم، فما دامت هذه القوى مصونة حية رأيت كل فرد من النوع مسوقاً بغريزته في سن الفتوة إلى التماس زوج له، فإذا اعتراها الضعف والانحلال بدأ ذلك يظهر في قلة اكتراث أفراده لأمر التناسل حتى ينتهي أمرهم إلى أن يروا فيه ذلك الواجب الضروري الذي لا غنى عنه. ولدينا وسيلة لا تخيب في قياس القوى الحيوية في النوع أو الجنس أو الأمة فإن ذلك يكون على نسبة انتشار الأثرة الأنانية بين الأفراد التي يتألف منها ذلك المجموع، فكلما كثر عدد الفريق الذي لا يعني إلا بمصالحه الشخصية، يضعها فوق كل واجب من واجبات المجموع ويفضل التمسك بها على التمسك بالآداب والشعائر التي من شأنها تكاثر النوع وبقاؤه، كان ذلك عرضاً يشير إلى قرب الموت والفناء والأمر على عكس ذلك في البيئات التي يحس أفرادها بغرائز تدفعهم من تلقاء أنفسهم إلى خلال الشهامة والمفادة بالنفس ونسيان الذات، فإن هذا ينبئ بأن روح النوع قوية في أجزائه.
إن انحلال الأمة كانحلال العائلة تلوح علائمه في تأصل الشره والأنانية من الأفراد،