للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ورعاية المرء مصلحته البحتة دون نظر إلى ما يكون من أثرها في المجموع علامة صادقة في الدلالة على أن روح التماسك قد ضعفت في الأفراد وأن النوع قد فقد قواه الحيوية التي تنهض بأفراده إلى كل ما يؤيده وينميه، ويتبع ذلك ضعف القوى الحيوية في الفرد إلا إذا اعتصم ببعض الذرائع الاستثنائية، ومتى شط النوع إلى مثل ذلك من الأثرة أضاع أبناؤه الاستعداد للحب الطبيعي المشروع، وماتت في نفوسهم عاطفة الألفة العائلية فلا يرغب الرجل في الزواج لأنه لا يطيق العناية بشأن غيره أو إلقاء تبعة أشخاص سواه على عاتقه، وتتحاشى المرأة آلام الأمومة ومتاعبها، وإذ اتصلت إلى رجل بآصرة الزواج لم تحجم عن تعقيم نفسها. ثم ترى غريزة التناسل ماتت في بعض الأفراد بعد أن يكون قد بطلت فطرتها التي تقصد بها إلى تجديد النوع، واتخذت في غيرهم وضعاً من أنكر الأوضاع فإذا بأسمى قوي الجسم التي لا تتم في إنسان إلا بعد أن يتم نضوجه. وأعني بها حاسة النسل التي قرنتها الطبيعة بأقوى ما يمكن أن يتأثر به الجهاز العصبي من الانفعال قد تسلفت إلى نوع من اللعب الشهواني لم يبق فيه موضع للنظر في استدامة النوع أو المبالاة يغير إرضاء الحواس والشهوات.

وإذا اتفق فانعقد قران بعد حب ولو جريا على ناموس الرجعة في الوراثة، فلا يكون معنى ذلك التئام شطري فردين ناقصين في شكل من الفردية أرقى وأكمل، أو انتقالاً من حياة انفراد عقيمة إلى حياة زوجية مثمرة تمتد بتناسل ذريتها إلى أبعد ما قدر لها من الخلود في المستقبل، ولا يكون معناه ذلك الشوق اللاشعوري إلى طرح الأنانية حباً في الإيثار أو الغيرية أو إفراغ معين الحياة الفردية الراكد في مجرى الحياة لنوعية المتفجر المطرد، كلا! وإنما هو نزوة غريبة لا تبين حتى لنفسها، فقد تكون نوعاً من الضلال الحسي والانفعال العصبي نشأ من خليط مما قرأه المرء أو سمع به مضافاً إلى أهواء عاطفة منهوكة معتلة، وقد تكون هوساً محضاً مثاره نزعات النفس ووزغات الهوى.

ثم انتقل من ذلك إلى تطبيق هذه القضايا والآراء على حال أوروبة في هذا العصر فخلص إلى أنها لا بد صائرة إلى عاقبة من أوخم العواقب، إذا أطرد سيرها في هذا المسلك لأنها تدابر سنن الطبيعة، وبين كيف أن الإنسان قد انساق على غير علم منه إلى معرفة الواجب عليه في تخليد النوع، مستشهداً على ذلك بغلبة نوادر الحب ووقائعه في آداب الأمم جمعاء،