للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واهتمام الجماهير منذ القدم بإشهار حفلات الزواج وإعلانها للملأ.

قال وأن أكاذيب المدنية قد مسخت طبيعة الزواج، فليس الزواج في العصر الحاضر إلا اتفاقاً بين فردين على تبادل المنفعة لا يختلف في كنهه عن اتفاق تاجرين على المعاوضة في متجر بينهما، فلا يُتحرى فيه فائدة الأجيال المقبلة بل كل ما يراعى فيه فائدة الشخصين المتعاقدين، وأنه يغلّب الأنانية على الغيرية بدلاً من أن يغلب هذه على تلك، فليس معناه أن يعيش كل من الزوجين لأجل الآخر في هذه الصلة الجديدة، بل معناه أن يتمتع كل فرد منهما بما لم يكن يتمتع به لو بقي على حدته.

ثم آنس في هذا الموضع اعتراضاً قد توسوس به نفس القارئ، فقد يقول قائل: مالنا نندد بالمدنية وهذه سنة الزواج من قديم الأزمان، فإن رجل القبيلة كان ربما اختطف أول سبية تعرض له، فيحتملها إلى خصّة لتكون هناك زوجه وأم بنيه، فأين الحب الذي أفسدته المدنية، وأين الصدق الذي موهته أكاذيبها؟؟

قال: ولكن الحال في المدنية تختلف عما هي في البداوة، ففي دور الفطرة كل الرجال متشابهون كما أن كل النساء متشابهات، فالمسألة مسألة ميل جنس إلى جنس، والزواج بينهم إنما هو علاقة أي رجل من جنس الرجال بأية امرأة من جنس النساء، وإذا ظهر تفوق أحد أفراد الجنس على سائره فهنالك تسمع عن العشق القاتل والعراك العنيف. والأمر غير ذلك في أدوار المدنية حيث يعم التفاوت وتكثر الفوارق في الصفات والأقدار، فلا مناص هنا من الانتقاء الذي رائده الانتخاب الجنسي أو الحب بمعناه الصحيح، فإنه لا بد بين هذه الطبائع المتفاوتة من انجذاب طبيعتين متفقتين تتمازجان ببعضهما امتزاجاً كيميا وليس اختلاطاً ظاهرياً فقط، والزواج إنما هو مزج كيمي كما قال جوث، يفقد فيه كل من المتمازجين خصائصه الأولية، وأنه كما يمتزج الأوكسجين بالبوتاسيوم، وكما لا يمتزج النيتروجين بالبلاتينوم، كذلك ترى الرجل يصبو إلى تلك المرأة دون سواها، وترى المرأة تتعشق هذا الرجل وترد كل من عداه.

ثم استطرد إلى العلاقة بين الرجل والمرأة، فقال أنها لا تكون إلا واحدة من اثنتين: فأما علاقة حب متبادل غايتها النسل، أو علاقة لا يكون النسل غايتها الأولى ولا غرض منها إلا إرضاء المطامع، والأولى هي العلاقة المشروعة المرضية، أما الثانية فأنها علاقة