للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد حرك منظر الحطام بعض القوم - كما هو المعتاد - إلى سرد الكثير من فاجع الروايات وقد جرى ذلك لأخص ساعة الغروب إذ طفق الجو بعد صحوه يكفهر ويربد. وينذر ويهدد. ويؤذن ببعض هاتيك الزوابع المباغتة التي ربما أغارت على صفاء سكينة السياحات الصيفية. فجعل كل منا وقد أخذنا مجالسنا من الطارمة حول شعاع مصباحها الكليل الذي كان لا يزيد ظلمة المكان إلا وحشة ورهبة - يلقي بما عن له من القول عن حوادث الغرق والهلاك. فكان أدهش ما سمعت من هذه الأحاديث موجزة ألقاها القبطان قال:

بينما أنا ذات مرة في مركب رائع ضخم أسيح بين سواحل (نيوفوندلاند) أتيح بعض تلك الضبابات الكثيفة مما يكثر في تلك الأنحاء فقصرت مدى ألحاظنا ومنعتنا رؤية ما تباعد من الأشخاص حتى في ضوء النهار. أما بالليل فقد أفرطت كثافة الغيم بما أبهم علينا صور المرئيات وأخفى أشباحها حتى على مدى ضعف طول المركب. فأشعلت أضواء في ذؤابة الدقل. وأقمت الأرصاد يرقبون ما عسى أن يسوقه القدر من قوارب السمك المعتادة الرسو على السواحل وكانت الريح إذ ذاك تهب نسما نفاحا والمركب يهفو بنا سريعا. فإنا لكذلك إذ صاح الرقيب بغتة (هاكم قارب!) وما كاد يفوه بها حتى هبطنا على القارب وكان زورقا صغيرا وكان زورقا قد ولانا عرضه وكان النوتية كله رقودا وقد فاتهم أن يرفعوا مصباحا فاصطدمنا بالقارب. ثم كان من قوة الصدمة وضخامة مركبنا وثقل أبداننا ما حط ذلك القارب تحت الأمواج وغمره بالأمواه ثم اجتزنا من فوقه ومضينا في طريقنا. وبينما القارب المتحطم يرسب من تحتنا حانت مني التفاتة فلمحت اثنين أو ثلاثة من ركابها البؤساء عارية أنصاف أجسادهم خارجين من الطارمة.

لقد هبوا اللحظة من فرشهم لتبتلعهم ذئاب الموج العاوية. وسباعه الضارية ولقد والله سمعت صرخت غرقهم يخالطها عزيف الريح العاتية. وما لبث الإعصار الذي حمل إلينا تلك الصرخة أن أطاحنا وراء مسمع كل صوت من أصوات تلك المأساة الفاجعة. على أني مهما أعش فلست بناس تلك الصرخة! ولم يك إلا بعد برهة أن استطعنا تعديل سير مركبنا لما كان قد تغلب عليه من سطوة اليم. ثم عدنا مسترشدين برائد الحدس والتخمين إلى حيث كان القارب قد أرسى فسرنا بضع ساعات في ضباب كثيف وأطلقنا طلقات أشارية