للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتفريخ والنمو والخصب والجدب والرعد والبرق والصواعق والزلازل والأوبئة والبلاء والموت وتكاثر بعض أنواع الحيوان والنبات أو تفرقها أو انقراضها. وكلها قوات طبيعية تلعب بالإنسان لعب الأمل به أو الولد بالأطيار. على أنّا كلما ارتقينا في المعرفة والعلم استطعنا أن نجلب لأنفسنا بعض المنافع وندفع عنها بعض المضار.

وتجري الطبيعة على نواميس ثابتة سنها الباري للحكم على الكائنات فتجري عليها الأشياء الطبيعية قسراً بترتيب واحد ونظام غير متغير فلا يحدث شيء في الطبيعة عرضاً أو مصادفة وإن عجز الإنسان عن تعليله.

أول شيء تعلمه الإنسان عندما عني بدراسة الطبيعة هو أنه فطن إلى بعض الحوادث الطبيعية فرأى أنها تحدث بترتيب ونظام. وأن أسبابها تنتج دائماً نتائج واحدة.

فالشمس تشرق على الدوام من جهة واحدة. وتغرب في الجهة الأخرى وتغيرات القمر تتبع بعضها البعض بسلسلة نظامية في أوقات معينة متشابهة وبعض الكواكب لا يغيب تحت أنق أي مكان نعيش فيه. الفصول تجري على نظام قياسي تقريباً. الماء يجري دائماً في الأودية. النار تحرق على الدوام. النبات ينمو من البذرة ويعطي بذراً كجنسه يطلع منه نبات آخر مثله. الحيوانات تتوالد وتنمو فتصل إلى سن البلوغ فتهرم ثم تموت جيلاً بعد جيل في طريق واحدة.

هكذا وصلت إلى عقل الإنسان بالتدريج فكرة نظام الطبيعة وتجلى له ثبوت العلاقة بين السبب والنتيجة في جميع الأشياء الكونية. وكلما تجلت للإنسان سيادة هذا النظام شعر بوضوح الأشياء فأدركها. ثم حكم على الأشياء التي لا يفهمها بأنها تحدث مصادفة أو اتفاقاً.

على أننا كلما تعمقنا في دراسة الطبيعة وأنعمنا البحث زاد هذا النظام جلاء ووضوحاً لدينا. وما كان يظهر أنه يجري على غير سنن نظامي يثبت لدينا أن أمره لم يكن إلا مغلقاً أو ملتبساً علينا نظراً لقصور الفطرة في الإنسان.

ومن هنا لم يبق في عصر المدينة جاهل يعتقد أن شيئاً من الأشياء يحدث اتفاقاً أو أن هناك مصادفات في الأشياء التي ليس لها سبب ظاهر. وإذا قلنا أن هذا الشيء قد حدث اتفاقاً فهم الكل أننا نعني بذلك أننا لا نعلم علته الحقيقية أو سبب حدوثه. فالمصادفة إذاً أو الاتفاق من أحكام الجهل.