للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فدراسة النواميس الطبيعية واجبة لأن معرفتها ترشدنا إلى العمل وتهدينا إلى حسن التصرف. ومثلنا في ذلك مثل إنسان قصد أن يستوطن بلاداً فوجب عليه العلم بأحوال تلك البلاد وأحكامها وإلا كان جهله بها مجلبة بالطبع لما لا يرضي لنفسه. وهكذا شأن من يحاول أن يعيش بغير لفت إلى نواميس الطبيعة. فإنه يقصر عمره على الأرض. ويقضي حياة غاصة بالاضطراب وتلقى نفسه لجهله ما قدره الجهل من العقاب.

وهذه النواميس تنفذ بالقوة القاهرة التي أودعها الباري الطبيعة فلا تقبل رشوة ولا محاباة ولا تميز الغني على الفقير ولا الأمير على الحقير فكم من ألوف وملايين يعيشون بالشقاء والخبل ويموتون في زهرة العمر مخلفين البلايا لنسلهم من بعدهم بسبب الجهل ودماؤهم على رؤوسهم.

فمن عرض نفسه لعاديات الطبيعة من الحر والبرد والجوع بما يوسوس له الجهل مختاراً في ذلك غير مضطر ولا ملتمس منه نفعاً قريباً معلوما - ومن عدا على البدن بما يؤلمه من ضرب وجلد وتمزيق وإهمال بما يزينه الوهم راضياً في ذلك غير مكره ولا مفيد منه شيئاً - ومن شوه الجسم أو اسقط منه عضواً لازماً مفيداً كائناً ما كان ذلك العضو بما يموه له الطمع أو الخيال الفاسد عامداً في ذلك غير مجبر ولا مفتد سائر البدن بذلك الجزء كمن يقطع اليد الفاسد وقاية لبقية الجسم. ومن اجترأ على حريته الذاتية بالمحو أو الإنقاص والإضعاف بما يبعث عليه الكسل أو القسوة أو دناءة النفس راغباً في ذلك غير مقسور عليه - كل هؤلاء مخالفون لأحكام الطبيعة مناقضون للحكمة الإلهية الأزلية التي هي عين الجمال ومظهر الكمال ومصدر الوجود وعلة البقاء.

التعليل العلمي

إن المبدأ المتخذ أساساً لكل علم من العلوم هو: أن العلل المتشابهة معلولاتها متشابهة. وهذه الحقيقة مبنية على اختبار نام.

أما علة الشيء فهي سببه المسبب عن شيء آخر وهذا عن آخر قبله وهلم جراً حتى ينتهي إلى علة العلل. وكلما تقهقرنا في سلسلة الأسباب والنتائج زدنا التعليل كمالاً. فكل تعليل ناقص لأن معرفتنا بالأسباب قاصرة: ولكنا إنما نبحث عن الحد الذي نكتفي به. أو يمكننا الوصول إليه.