للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وألفاظها ومصطلحاتها وأساليب التعبير عنها ونحو ذلك مما تتراخى به شقة الفهم إذا تعاطاه ذلك العاميّ أو حاوله ويكون سداد العلماء فيما تطيقه العامة وسداد العامة فيما يطيقه الأطفال. . .؟ وأنت إذا تخطيت أمر الطفل اللغوي والطفل العلمي وأسندت في حدّ هذه الطفولة لم تر إلا طراز أصحابنا وهم أطفال الأقلام فهل يكبر عليهم أن يكبروا ويشتدوا وأن يساوقوا الفطرة في مجراها فيأخذوا الشيء بأسبابه، ويأتوا الأمر من بابه ويدعوا الأمر حتى يكونوا من أربابه؟ يصدرون رأيهم على جهل فإذا كشفت لهم معناه وبصرتهم بمصايره ووقفت بهم على حدوده وأريتهم وجوههم في مرآة النصيحة أنكروا ما جئت به وحسبوك تفتري الكذب وأصروا واستكبروا استكباراً لأن رأس علمهم أن يظنوا لا أن يحققوا ما يظنون فالرأي هو الرأي في ذاته لا ما يتعلق به ولا ما يتأدَّى إليه.

اللغة مظهر من مظاهر التاريخ والتاريخ صفة الأمة والأمة تكاد تكون صفة لغتها لأنها حاجتها الطبيعية التي لا تنفك عنها ولا قوام لها بغيرها فكيفما قلبت أمر اللغة من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها واشتمالها جلدَة أمة أخرى فلو بقي للمصريين شيء متميز من نسب الفراعنة لبقيت لهم جملة مستعملة من اللغة الهروغليفية ولو انتزت بهم أمة أخرى غير الأمة العربية لهجروا العربية لا محالة وكذلك يتوجه هذا القياس طرداً وعكساً كما ترى وأن في العربية سراً خالداً ذا الكتاب المبين (القرآن) الذي يجب أن يؤدى على وجه العربي الصريح ويحكم منطقاً وإعراباً بحيث يكون الإخلال بمخرج الحرف الواحد منه كالزيغ بالكلمة عن وجهها وبالجملة عن مؤداها وبحيث يستوي فيه اللحن الخفي واللحن الظاهر. ثم هذا المعنى الإسلامي (الدين) المبني على الغلبة والمعقود على أنقاض الأمم والقيم على الفطرة الإنسانية حيث توزعت وأين استقرت فالأمر أكبر من أن تؤثر فيه سورة حمق أو تأخذ منه كلمة جهل وأعضل من أن يزيله قلم كاتب ولو تناهت به سن الدهر حتى يلقى من الأمة أربعة عشر جيلاً كالتي مرت منذ التاريخ الإسلامي إلى اليوم.

والقرآن الكريم ليس كتاباً يجمع بين دفتيه ما يجمعه كتاب أو كتب فحسب إذ لو كان هذا أكبر أمره لتحللت عقده وإن كانت وثيقه عليه الزمان أو بالأحرى لنفّس من أمره شيء كثير من الأمم ولاستبان فيه مساغ للتحريف والتبديل من غال أو مبطل ولكانت عربيته