للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصريحة الخالصة عذراً للعوام والمستعجمين في إحالته إلى أوضاعهم إذا ثابت لهم قدرة على ذلك ولو فعلوه لما كان بدعاً من الرأي ولا مستنكراً في قياس أصحابنا. . . لأنهم لم يعدوا منفعة طلبوها من سبيلها، وخطة انتهجوها بدليلها.

وليس يقول بهذا إلا ظنين قد انطوي صدره على غل واجتمع قلبه على دخلة مكروهة وإلا جاهل من طراز أولئك لا يستطيل نظره بتجربة ولا ينفذ بعلم وإنما هو آخذ بذنب الرأي لا يوجهه ولكن يتوجه معه ولا يقبل به ولكن يدبر به الرأي.

إنما القرآن جنسية لغوية تجمع أطراف النسبة إلى العربية فلا يزال أهله مستعربين به متميزين بهذه الجنسية حقيقة أو حكماً حتى يتأذن الله بانقراض الخلق وطي هذا البسيط. ولولا هذه العربية التي حفظها القرآن على الناس وردهم إليها وأوجبها عليهم لما أطرد التاريخ الإسلامي ولا تراخت به الأيام إلى ما شاء الله ولما تماسكت أجزاء هذه الأمة ولا استقلت بها الوحدة الإسلامية ثم لتلاحمت أسباب كثيرة بالمسلمين ونضب ما بينهم فلم يبق إلا أن تستلحقهم الشعوب وتستلحمهم الأمم على وجه من الجنسية الطبيعية - لا السياسية - فلا تتبين من آثارهم بعد ذلك إلا ما يثبت من طريق الماء إذا انساب الجدول في المحيط.

إنما الله علينا بلاء فتياننا لأنهم ينشؤن في أرضنا نشأة المستعبد الرقيق وأنّ غنما لهم أن نحرص على ما بقي من جنسيتنا العربية وأن نشعب لحفظ الصلة وتوثيق تلك العقدة بيننا وبين أسلافنا ونمد من ذلك سبباً إلى حاضرنا ثم إلى مستقبلنا فلا يكون في تاريخنا اقتضاب ولا بتر ولكيلا نكون على ديننا ولغتنا ما كان أولئك إلا وشاب والزعانف من الترك والديلم إلى غيرهما من أصناف تلك الحمراء التي اجتاحت العرب منذ الدولة العباسية ورتعت في أمور الناس وجعلت بأسهم بينهم لعلة المباينة في الجنسية اللغوية حتى لم يكن في ثمانمائة سنة من استبدادهم ما يعدل ثمانين سنة كانت منذ أول العهد بالإسلام ولكن أني لفتياننا ذلك وهم لا يأخذون من لغتهم ولا يصيبون من آدابها إلا كما يأخذ الإسفنج من الماء ينتفخ بقليل منه ثم لا يلبث أن يمجه أو يجف فيه.

على أنك لو اعترضت كل من يهجن العربية ويزرى على سبكها لرأيته أجهل الناس بتركيبها وحكمة اشتقاقها ووجوه تصريفها ثم لرأيت له غرَّةً في تاريخ قومها فهو إن عرف منه شيئاً فقد تجرد من ثمرة المعرفة كأنه يحفظ طلاسم لا يتخبط فيها حتى يتخبطه