للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشيطان من المس ثم ترى الآفة الكبرى أنه مُستدرج من حيث لا يعلم فهو يكافئ محبة لغة أجنبية أحكمها بعداوة لغته التي جهلها ويجزي منفعة تاريخ علمه بمضرة التاريخ الذي لم يعلمه والناس أعداء ما يجهلون.

نعم بقي لأصحابنا مذهب آخر ينتحلونه ويستدفعون به الظنة وهو من أحسن رأيهم الذي يعانون عليه لو فهموه على الوجه الذي يفهم منه ولو أبدو لنا صفحته دون قفاه. . . وذلك أنهم يقولون أننا نريد أن نلائم بين حاجة الأمة من الكلام وبين الكلام الذي تبلغ به هذه الحاجة ونريد الإصلاح ما استطعنا فنلبس تاريخنا وعاداتنا ديباجاً من الكلام بطراز وغير طراز (نظماً ونثراً) ولا نترك أمتنا على سوم (في المزاد) بين العربية والعامية واللغات الأجنبية. ونحن نقول أن هذا أمر ليس له مَترك ولا عنه محيص ولكن أين ما ينزعون إليه مما ينزعون به وهم إنما خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً وإنما يؤتون من حسبان العربية الفصحى لغة أثرية لاتحاد الزمن ولا تشايع روح التاريخ فيرون أنها لا بد أن تكون قد انقرضت مع أهلها فلا تبقى إلا لقوم في حكم أولئك المنقرضين ثم يفضون من هذا الوهم إلى تلك المخرقة التي أشرنا إليها في صدر الكلام لأنهم لم يمارسوا هذه اللغة وإنما علموها عن عُرض وهذا ولا جرم ضرب من الجهل العلمي - ولوهم فقهوا سر العربية ووقفوا على طرق تركيبها وجاذبوا من أزمتها وصرفوا من أعنتها واكتنهوا محاسنها الفطرية التي خرجت بها من ثلاثمائة تركيب إلى ثمانين ألف مادة كما فصلنا القول فيه لعرفوا كيف يتسببون للإصلاح اللغوي الذي ينشدونه وكيف يكشفون لفظ الإصلاح عن معنى غير فاسد كما ذهبوا إليه وتقلدوا البلية من حيث يدفعونها لا من حيث تدفعهم ولكنهم كما ترى يصفون لنا الفوضى وهم صفاتها، ويطبون للأمة وهم آفاتها، ويبادرون حسم الأمور بما يتفاقم به صدعها، ويضعون أوزار النوائب بما يثور به نقعها، وما عليهم إذا تبينوا أن يصيبوا قوماً بجهالة، أو يردوهم عن الهدى إلى ضلالة، فاللهم بصرنا بأقدارنا، ولا تذلنا بصغارنا، ولا تخذلنا في الأمل وأنت الرحيم، دون غاية أتحت لنا وقتها، ولا تجعلنا في العمل كأهل الجحيم، كلما دخلت أمة لعنت أختها.

مصطفى صادق الرافعي