للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سواه عند إنسان كائناً من كان.

ولو كان الوفاء في الحب من مقتضيات الطبع، لوجب أن يطلب من الزوج بقدر ما يطلب من الزوجة، ولكنه مطمع من مطامع الأثرة كما تقدم، فكلما كان ذو الأثرة أقوى كان توقعه له من غيره أكثر، والرجال أقوى الجنسين، فهم يلزمون النساء بما لا يلزمون بمثله أنفسهم من الإخلاص والوفاء.

فإذا نسيت المرأة نفسها عدُّواً ذلك منها كبيرة من أشنع الكبائر، أقل ما يصيبها من أجلها خزي لا يرحض وعار لا يمحى وجزاء لا غفران بعده، فإذا فعل الرجل فعلتها فليس في الأمر إلا أنها هفوة لذيذة يقابلها الجمهور بالمزاح والابتسام وتغتفرها المرأة له بالملاطفة وإدرار دموع البهتان.

ومما يزيد في قساوة هذا الحكم أن المرأة قل أن تزلّ إلا مخلوبة مذعنة لقوة أكبر من قوتها، أما الرجل فإذا هفا فإنما ذلك لأنه أراد أن يهفو مختاراً لا مضطراً ولا مخدوعاً.

ولقد بلغت أثرة الرجل الهندي ما لم تبلغه أثرة الرجال في بلد من البلاد ففرض عليها من الوفاء له ما يحتم عليها ملازمته حتى يوم يطرح ميتاً على لهيب النيران. في حين لا يرى لامرأته من حق عليه ما يدعوه إلى التفريط في شعرة واحدة منه. ولا شيء يمنعه أن يعود من جنازة زوجته ليمتع نفسه بأطايب عرس جديد.

قال: ولم نغل نحن إلى هذا الحد في مقاضاة المرأة الوفاء. ولكن من قصاصنا من يمثل لنا عرائس تملكهن الكمد والقنوط فعمدن إلى التبتل بعد أحبابهن. وإن كان قد أبى أنصافهن عليهم إلا أن يسووا بين الرجال والنساء في هذه الفضيلة.

ثم عطف الكاتب يقارن بين الإنسان والحيوان في الشهوة الجنسية ليرى إن كان ثمت مسوغ من الفطرة لاستمرار الزواج. والقارئ العربي ينبغي أن يكون أقل الناس استغراباً لهذه المقارنة لأننا قد طالما نسبنا تلك الشهوة في الإنسان إلى البهيمية. فرأى الكاتب أن العلاقة بين ذكر الحيوان وأنثاه لا تطول إلا ريثما ينتهي غرضها. ومنه مالا تتجاوز علاقة ذكره بأنثاه أيام المسافدة. والنادر القليل من الحيوان ما تبقى علاقة زوجيه إلى ما بعد وضع الجنين. والإنسان وإن ترفع وتعالى لا يخرج عن حكم الحيوان من هذه الوجهة. ولا وسيلة نتبين بها الطبيعي الأصيل من المتكلف الطارئ في أمياله الجنسية لصح من مراقبة هذه