للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اللهم إلا ما عليه العوام والسوقة من أمور مزرية وأنا إن لم نعمل بذلك نبذنا من نريد إصلاحهم وتهذيبهم لأن الناس قد يستصعبون هذا الشذوذ فيتجنبون الإقتداء بنا في شيء توهماً منهم أنهم مكلفون بتقليدنا في كل شيء فتفوت وما غرض الحكمة الأول ذلك الغرض الشريف الأربط البشر بروابط الألفة والمحبة والاتحاد في الفكر والمشرب والتحاب والتعاطف بين الناس فإذا نحن نبذناهم وجفوناهم وبايناهم بأحوالنا وأطوارنا خرجنا لعمري عن ذلك المقصد الأسنى ونددنا عنه ولنخش أن هذه الأحوال الشاذة بدلاً من أن توجب إعجاب الناس بنا وثناءهم علينا تجلب لنا سخطهم واستهزاءهم. إننا وأيم الحق يجب علينا أن نجعل الطبيعة رائدنا ودليلنا في حياتنا والطبيعة تأبى علينا أن نقدم على تعذيب أنفسنا بأنفسنا وأن نمقت بسيط الزينة ونميل إلى لقذارة واختيار ما تعافه من رديء الطعام ولا يعد في شيء من الزهد والتقشف لأنه إذا كان من الرفاهية والتنعم اختيار الألوان الشهية فلا ريب أنه من الحمق والجنون نبذ الأطعمة العامة الرخيصة الثمن والفلسفة إنما تحث إتباعها على الزهد والقناعة لا على التشدد وإرهاق النفس فالقناعة والزهد حالهما وسط بين الطرفين وهو ما يجب أن نختاره لأنفسنا بأن نجمع في حياتنا ومعيشتنا بين الخلال الحميدة والخصال الرجيحة حتى تكون حياتنا على الدوام موضع إعجاب الناس لا موضع استغرابهم وتعجبهم ولقائل أن يقول ما هذا أو تريد أن يتساوى أهل الحكمة مع عامة الناس في أحوالهم وأمورهم بلا فرق ولا تمييز؟ أقول أن الفرق ما زال عظيماً بشرط أن يدقق فيه النظر وينعم الفكر فالذي يدخل بيت الحكيم يعجب برب الدار أكثر مما يعجب بما تحوي من أثاث ورياش وأن الحكيم ليتساوى عنده استعمال آنية الفخار وآنية الفضة لما حازت نفسه من سمو ورفعة بعكس ذوي النفوس الضعيفة فإنهم يفرحون ويسرون باستعمال هذه ويغتمون ويحزنون إذا حرموا إلا من تلك.

وهاك ما أشاطرك إياه مما استفدته من الحكمة في يومي هذا وقد التقطتها من أحد أبناء شيعتنا أعني به هيكافون وهي تدل على أن خمود نار الرغائب علاج ثمين للخوف قال أقطع عن النفس الأمل ينقطع عنك الخوف ولعلك تقول أي علاقة بين هذين الإحساسين المتباينين كل التباين؟ فأقول أجل أيها الصديق لوسليوس أنهما وإن اختلفا في الظاهر لكنهما مرتبطان في الحقيقة وأن السلسلة التي تربط الأسير بالأسر لأقل ارتباطاً مما بين