للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هاتين العاطفتين فالخوف يتبع الأمل ولا عجب في ذلك ولا غرابة فيه لأن كلا منهما منشؤه قلق النفس وخوفها على المستقبل وسبب ذلك أن المرء بدلاً من أن يكتفي بالحاضر تتشبث أفكاره بالمستقبل البعيد فتضل بصيرته ويصير نورها الذي هو أكبر نعمة عليه آلة يخاف شرها على أن الوحوش قد تحذر الأخطار الواقعة وتهرب منها عند رؤيتها فإذا ما مرت سكنت نفوسها وعادت إليها طمأنينتها أما نحن فإن نفوسنا لعمري فريسة بين المستقبل والماضي وكل قوانا تعمل ضدنا فلذاك توقظ فينا الوساوس والمخاوف والعقل يغفل عنها ويتخطاها فلذلك لا يكفينا الاهتمام بمشاغل الحاضر ومتاعبه حتى نضيف إليها هموم المستقبل ومخاوفه.

الرسالة السادسة في الصداقة الصحيحة

أرى نفسي أيها الصديق تتزكى أو أراني بالأولى متحولاً من الحال التي هي أدنى إلى الحال التي هي أعلى، على أني لا أفتخر ولا أدعي أنه لم يبق في شيء يعوزه البتة الإصلاح والتغيير إذ كم أمامي لعمري مما هو بحاجة إلى الإصلاح والتهذيب ولكن شعور الإنسان بنقصه وتقصيره دليل على الأقل على أنه يعرف خطأه ويعترف بخطاياه والناس تهنئ عادة المريض الذي يشعر بالمرض لأنه دليل في الغالب على البرء من الداء وقرب الشفاء من العلة وهلا يكون في قدرتي أن أفيض عليك مما يفاض علىَّ من ذلك حتى يكون ما بيننا من روابط المحبة والصداقة على أتمه ووثقه وهو ما أرى فيه الصداقة الحقيقية، تلك الصداقة التي لا يمكن أن يحل رباطها خوف أو أمل أو نفع، تلك الصداقة التي يموت عليها المرء ولأجلها يفدي حياته ولكن كم من أناس وجدوا أدعياء في الصداقة لا أوفياء فيها فلكي لا تشوب الصداقة شائبة ينبغي أن تتصافى القلوب وتخلص السرائر في تبادل المحبة من الجانبين على السواء بذلك تتحد الأفئدة وتأتلف الأهواء المتفرقة وإن قلت وما سر ذلك وعلته قلت أن النفوس إذا تصافت وتحابت لا جرم علمت أن الأمور بينها مشتركة خيرها وشرها واراك تغبطني على ما استفدته وشرحته آنفاً وتعلم منه مقدار ما ينالني من التقدم والارتقاء في كل يوم تطلع على فيه شمسه.

ولقد تقول لي ابعث إلي بهذا العلاج الشافي تعالج به أدواء نفسك فأقول أجل أيها الصديق أني لأتقد غيرة وشوقاً إلى حبه حباً في نفسك لو أمكنني ذلك لأني لا أبتهج بما يفتح علي