للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

به من العلم إلاّ على أمل أن أعلمه غيري فأجمل ما يتاح لي اكتشافه وألطف ما اهتدي إلى ابتكاره لا يحلو لي ولا يطيب إلا إذا توصلت إلى إيصاله لسواي، ولو لقنت الحكمة على شرط أن أكنها في صدري ولا أعلمها الناس لرفضتها وما قبلتها إذ أفضل الأشياء ما كان مشتركاً بين الناس كثير التداول عام النفع بينهم وعليه فقد رأيت أن أبعث بنفس نفائس الكتب التي استقي منها وأغوص فيها على الدرر واللآلئ التي التقطها لتستخرج منها لنفسك بنفسك ما تشاء، ولكي أكفيك مؤنة التعب والنصب في البحث والتنقيب بين ثناياها علمت لك بخط يدي على الصفحات وعلقت على هوامشها بيدي تعليقات ترشدك بسرعة إلى المقاصد والأغراض وما أعجبني من عيون الحكمة ولكن ثق أن تلقيك بالمشافهة والمحاضرة مع صديقك ليفضل عندي كثيراً تلقيك عن الكتب لأن في المعاينة والسماع والخبر بالنفس ما يفضل كل طريقة أخرى عند الناس، وسبيل التعليم بالقدوة العملية خير مما يلقى في الأسماع من النصائح والتعاليم النظرية وما حاكي كلينشيوس الحكيم زينون إلا لما عاشره وأخذ عنه واقتدى به ودرس سلوكه وقارن بين ذلك من أحواله وبين تعاليمه، وما تبع أفلاطون وأرسطاطاليس وغيرهم من الحكماء الحكيم سقراط ولم يخالفوه كبير مخالفة إلا لما أخذوا عنه وسبروا أحواله واقتدوا به، وما اقتفى أثر أبيقور أشياعُه من مشاهير الحكماء ميترودور وهيرمارك ويولينس إلا لما جعلوا سيرته أسوة حسنة لهم إلى جنب تعاليمه، على أني إذا كنت أطلب منك ذلك فأني إنما أطلبه لفائدتي أنا أيضاً لا لفائدتك وحدك لأنا بالاختلاط والمعاشرة ينفع أحدنا الآخر فيما نحن بصدده ويشد أُزره وهاك ضريبتي اليوم وهي مما أعجبني من حكمة هيكاتوز قال: أتريد أن تعلم ما هي وسائل ارتقائي ونجاحي هي أني صديق لنفسي ولقد أصاب كبد الحقيقة لأن صديق نفسه الحقيقي ثق بأنه صديق لكل الناس.

صالح حمدي حماد