السلك ينثر من أطرافه وأرى ... سلك الجزيرة منثوراً من الوسط
من جاور الشر لا يأمن عواقبه ... كيف الحياة مع الحياة في سفط
بنو عباد
وإنما الذي يعنينا القول عليهم الآن هم بنو عباد الذين نبغ منهم المعتمد صاحب ابن حمديس. قالوا: كان بدء أمر بني عباد في الأندلس أن نعيماً وابنه عطافاً أول من دخل إليها من بلاد المشرق وهما من أهل العريش القرية الفاصلة بين الشام ومصر وأقاما متوطنين بقرية بقرب تومين من إقليم طشانة من أرض اشبيلية وامتد لعطاف عمود النسب من الولد إلى الظافر محمد بن إسماعيل القاضي فهو أول من نبغ منهم في تلك البلاد وتقدم بأشبيلية إلى أن ولى القضاء بها فأحسن السياسة مع الرعية والملاطفة بهم فرمقته القلوب. وكان يحيى بن علي بن حمود الحسني المنعوت بالمستعلي صاحب قرطبة وكان مذموم السيرة فتوجه إلى اشبيلية محاصراً لها فلما نزل عليها اجتمع رؤساء اشبيلية وأعيانها وأتو القاضي محمداً وقالوا له أما ترى ما حل بنا من هذا الظالم وما أفسد من أموال الناس فقم بنا نخرج إليه ونملك ونجعل الأمر إليك فقبل ووثبوا على يحيى فقتلوه وتم الأمر للقاضي ثم ملك بعد ذلك قرطبة وغيرها من البلاد وكان من أهل العلم والأدب والمعرفة التامة بتدبير الدول ولم يزل ملكاً مستقلاً إلى أن توفي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ثم قام مقامه ولده المعتضد بالله أبو عمرو عباد. قال صاحب الذخيرة ثم أفضى الأمر إلى عباد قطب رحى الفتنة، ومنتهي غاية المحنة، ناهيك من رجل لم يثبت له قائم ولا حصيد، ولا يسلم منه قريب ولا بعيد، جبار أبرم الأمر وهو متناقض وأسد فرس الطلا وهو رابض، متهور يتحاماه الدهاة، وجبان لا تأمنه الكماة متعسف اهتدى، ومنبتّ قطع فما أبقى. ثار والناس حرب وضبط شأنه بين قائم وقاعد حتى طالت يده، واتسع بلده، وكثر عديده وعدده، وكان قد أوتي من جمال الصورة وتمام الخلقة وفخامة الهيئة وبساطة البنان وثقوب الذهن وحضور الخاطر وصدق الحدس ما فاق على نظرائه ونظر مع ذلك في الأدب قبل ميل الهوى به إلى طلب السلطان أدنى نظر بأذكى طبع حصل منه لثقوب ذهنه على قطعة وافرة علقها من غير تعمد لها ولا أنعام النظر في غمارها. ولا إكثار من مطالعتها. ولا منافسة في اقتناء صحائفها. أعطته سجيته ما شاء من تحبير الكلام وقرض قطع من الشعر