للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخوارج أو يفقهوا معاني أعمالهم؟ وأنى يكون ذلك الحكم العادل والنظر الثاقب من فئة كان لا يخطر بأذهانهم إن في حياة الإنسان ذرة من الحق والصدق والمعاني المقدسة. لقد ظل هذا الملك وأولياؤه يمثلون أشنع التمثيل بالمذهب البيوريتاني (مذهب الخوارج) كما يمثلون برجاله - فلو شهرت الحال إذ ذاك لرأيت البيوريتانية مصلوبة على الأعواد كأجساد أربابها. ولكن الصلب والتمثيل لم يعق من مسير نتائجها. ولا بد للعمل الصالح من أن تسير آثاره مهما مثلث بأهله وأصحابه. نعم إنا لنطرح البصر فتسرنا محاسن آثار أولئك الخوارج ونري الدستور والحرية والسعادة التي نتمتع بها الآن أغراساً زرعتها قرائحهم وسقوها طوراً بأوعية الدموع وتارة بسجال الدماء. وهم الذين سنوا المذهب القائل بأن جميع الناس أحرار بالفعل أو سيكونون أحراراً يوماً ما - أحراراً تقوم حيلتهم على أمتن أساس من الحق والعدل لا التقاليد والباطل! هذا وكثير غيره من حسن آثار الخوارج وجليل نعمهم علينا.

والواقع أنه اتضحت مآثر الخوارج هذه وعلت في النفوس مكانتهم وضرجت أقذاء التهم عن حواشي أعراضهم. واستنزلت عن أعواد الصلب ذكرى عهودهم واحداً بعد واحد. بل لقد قدست أسماء بعضهم وعدوا ضمن أولياء الله المصطفين. وحسب من الأبطال أمثال اليوت وهامبدين وبيم حتى ليدو وهاتشسون وفان. أولئك القساوسة السياسيون الذين إليهم يعزى ما ننعم به اليوم من حرية البلاد. أفيجرأ اليوم إنسان أن يلوث بالذم أعراض هؤلاء؟ وهكذا أصبحت لا تكاد تجد من بين القوم إلا من له أنصار يقومون بعذره وشيعة تشيع في الناس فضله وتشيد له صروح الإجلال والإكبار. كلهم قد برأ الله ساحته وجمل في النفوس مكانته وأعذب في الأفواه ذكره وأدال له إلا واحداً هو سيد الجميع وفتى القوم - الملك الأكبر رافع لواء الحق - أوليفار كرومويل. فأني أرى عرضه لا يزال مجال الألسن السالقة والأظفار الممزقة وأرى ذكراه لا تزال مصلوبة في أعالي الجذع. وماله من عاذر ولا نصير. والناس مجموع عليه بالذم والنكير. وأنه شرير خبيث. هم لا ينكرون أنه كان رجلاً كفؤاً حازماً شجاعاً مدبراً ولكنه خان العهد في نظرهم ونقض العقد. وكان فيه أثرة وشجع وغدر ومكر وتصنع ونفاق. حوّل ذلك الجهاد العظيم المبذول في سبيل الحرية إلى طريق منفعته الشخصية بهذه الخلال وأسوأ منها ينعتون أوليفار كرومويل ثم يقارنونه