فإنه قد يحاول أن يجد لهم بعض الإجلال. وأي رجل في الوجود تعروه الأريحية ويهزه الطرب ويلتهب قلبه شوقاً لهؤلاء النفر. كلا لقد أصبحت تراجمهم وأنباؤهم غاية في الجمود والثقل! نعم أن بلاغة أولئك الفحول قد تكون أبهر الأشياء وأروعها ولكنها شيء ثقيل - ثقيل كالرصاص ومجدب كالصخرة الملساء. وجملة القول أنه لم يبق فيها لقراء العصر غبار لذة ولا ظل مطرب ومستمتع! فإن أبيت إلا امتداحها فقل أنها كانت كأساً رشف الدهر أطيبها وأعذبها فلم يبق إلا صبابة مرة كدرة! فسلام على أولئك الفحول ولندعهم ثاوين مضاجع مجدهم وشرفهم ولنقبل على الرجل الخشن المتوعر الطريد المنبوذ أوليفار كرومويل فإن فيه وحده ضالتنا من المادة الإنسانية وكنوز الكرم الصراح والبطولة العالية. إن فيه لذلك وإن لم يكن فيه فصاحة وكتابة. وبلاغة وخطابة. وبراعة وخلابة. وكم من بلغاء مصقولي جوانب اللسان رقاق حواشي الطبع ليس وراءهم كبير فائدة. وما سرنا من إنسان نظافة كفيه إذا كان لا يقرب الأعمال إلا لابساً قفازه!
وبعد فلست أرى في رضى القرن الثامن عشر عن خطباء الخوارج وزعمائهم إلا شعبة من رسميات ذلك القرن وكفرياته. وكيف وهم (رجال القرن الثامن عشر) يعيروننا أن يكون سبب دستورنا وحريتنا هو الخرافات الدينية يقصدون بذلك مذهب الخوارج من حرية العبادة ويقولون هلا كان لحريتكم مصدر أشرف وأسمى من الخرافات الدينية مثل حرية وضع الضرائب ويقولون أنه كان من الوهم والخرافة والتعصب الأعمى والجهل المطبق بالفلسفة لدستورية أن يجعل آباؤنا الأول غايتهم الوحيدة هي حرية العبادة وإنما الغاية الوحيدة في مذهب القرن الثامن عشر هي حرية وضع الضرائب أعني امتناع الإنسان عن دفع الدراهم من كيسه حتى يبين له السبب الذي يدفعها من أجله. فأناس يجعلون هذا أول حقوق الإنسان لا شك جهلة أغبياء. وأرى أنه لن يكون الدرهم وحدها قط باعثاً للعاقل على أن يثور ضد حكومته. وما زال الإنسان يرضى بدفع المال لحكومته بشرط أن يبقى له سداد من عوز. وأني أجد أن الانكليزي حتى في هذه الأوقات إذا لم يرض أن يدفع للحكومة ضرائب عديدة من غير أن يبين لها أسباب دفعها اضطر إلى أن يهاجر وطنه إلى غيره من بلاد الله. وكأني بالانكليزي يقول جابي الضرائب! المال! خ١وا مالي بما أنكم قادرون على أخذه ومحتاجون إليه. خذوه واذهبوا ودعوني وشأني - اتركوني وشغلي فأني