حظي في الحياة وأشقاني بعلومي ومعارفي الطويلة العريضة فلم يبق أمامي سوى الاستعانة بعلم السحر لا على مثال تلك السذاجات التي يزاوله بها جماعة السحرة السذج بل على نوع جدى أستكنه به أسرار هذه الطبيعة وأستكشف به قواها العاملة المؤثرة وأنال منها ما تصبو إليه نفسي من اللذات.
ويذهب إلى النافذة فيرفع السجف وينظر في السماء إلى القمر ويقول مخاطباً له.
فوست - أيه أيها القمر الساطع والكوكب الدري اللامع ألق بالنظرة الأخيرة منك على في نصبي وتعبي أنت أيها الصديق الجميل الذي طالما كان رفيقي في وحدتي وشاهدي في سهري الليالي فكم من مرة رأيتني في هذه الغرفة مكباً على مكتبي أدرس العلوم وأطالع أسفارها فيا ليت لي مثل مالك من القدرة على الارتفاع والتحليق في القبة الزرقاء حتى كنت أشرف من عل على قمم الجبال وفوق المغارات المظلمة واستنكف كثيراً من الأسرار ولكن ليس لي واأسفاه ذلك وليس أمام فوست الشيخ الفاني إلا البقاء بين أربع حيطان هذه الغرفة المظلمة التي لا يكاد ينفذ من زجاجها المغبر ضوء النهار.
ويجيل بصره في أرجاء الغرفة وهو حزين كاسف البال ثم يطرد مقاله:
فوست - فهذا المكان هو سجني نعم هذا المكان محبسي ولكن لم أجلب على قلبي الهموم والأكدار وأحمل نفسي الأحزان في حياتي والأشجان أني خلقت حياً في طبيعة حية فعلام أضع نفسي باختياري في القبور بين الأموات أجل هذا المكان لعمري قبر وهو لا يحوي إلا أشياء تافهة فلأكسرن هذه السلاسل ولأحلن هذه القيود ولأزجن بنفسي في مجاري الحياة الصافية استقي منها لذة كؤوساً منزعة.
ثم يتناول بيده كتاب السحر ويقول:
فوست - هذا كتاب السحر الأعظم والطلسم الأكبر خطه بيمينه رأس السحرة (فوستراد موس) فليكن دليلي وهادي ومرشدي فيما أريد (ويفتح الكتاب ويقلبه ويقول) ولكن لنتجاوز ما عليه من هذه الشروح التي لا فائدة لنا فيها ولنمسك باللباب ويقرأ فيه بصوت عال ما نصه:
إن عالم الأرواح ليس مغلق الباب في وجهك أيها المريد غير أن عقلك ضال وقلبك ميت فتشجع وألق بنفسك وأسبح في أنوار بحر ذلك الفجر الباسق بلا فتور ولا ملل