للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أن هناك فرقاً كبيراً بين أن يتعهد الواحد منا غلاماً يافعاً أربع سنين وبين أن يتولى هدايته وإرشاده خمساً وعشرين. فقد جرت عادة الناس إذا شب أبناؤهم أن يدفعوهم إلى مؤدب يصحبهم في غدواتهم وروحاتهم ويوقفهم على شيء من العلوم وأنا لو استطعت لدفعتهم إليه ولما يولدوا. وحسبه أن يحملوا عنه علم الواجب الإنساني وهو علم واحد صحيح لا يتجزأ برغم ما أثر عن زينوفون في كلامه عن تربية الفرس. وعليه أن يكون أشد عناية بهدايتهم وأمر إرشادهم وتقويمهم منه بتلقينهم شيئاً من العلوم والمعارف الأخرى وعلى تلاميذه أن يستقروا ذلك من ذي نفوسهم ويستخرجوه باجتهاده.

وليس بالفقير حاجة إلى التربية فإن حالته الاجتماعية قد دفعته إلى نوع من أنواعها لا يستطيع أن يعدوه أو يتجاوزه بحال من الأحوال على أن تربية الطبيعة كفيلة بأن تعده لكل مراتب الاجتماع وحالاته وليس من الحزم أصالة الرأي أنه تربي الفقير ليكون غنياً ولا الغني ليصير فقيراً وأنك لو تأملت لوجدت عدد من يوقعون أنفسهم في مهاوي الخراب أكثروا أكبر ممن ينتقلون من الفقر إلى الغنى وهذا بالنسبة إلى عدد أفراد الطبقتين. فلنختر تلميذنا أميل من طائفة الأغنياء وليس يسوءني أنه من الشرفاء والوجهاء فلعلي أن أنقذه من مخالب الأوهام وأخلصه من حبائل الجهل.

وأميل فيما عدا ذلك يتيم، ذهب الموت بأمه وأبيه، فخلالي به الجو وخلاله بي، فليس له من أحد يقوم عليه سواي، ولا تجب عليه الطاعة إلا لي، فهو وإن كان يجل أبويه ويعظمهما غير أنه لا ينزل إلا على حكمي ولا يقعد إلا تحت أمري. ولست أسأله شرطاً غير ذلك.

وأني أضيف إلى هذا الشرط أمراً آخر يتفرع في الحقيقة عنه وينشعب منه وهو أن عري أخائنا لا انفصام لها واجتماعنا لا افتراق فيه اللهم إلا أن نشاء ذلك. وكذلك ينبغي أن يكون الطالب والأستاذ ليستريح كل إلى معاشره متى أيقن أنه مصاحبه على العلات. وليصبح كل شغل صاحبه وهمه. فأما إذا علما أن شملهما سوف ينصدع وضمهما لا بد منتشر انصرف كل واحد عن أخيه واشتغل عنه بنفسه وبالنظر في مستقبل حياته. وبذلك يثقل ظل اجتماعهما فيرى الطالب أن أستاذه رقيب عليه يحصي أنفاسه ولا يزال يتسقطه ويتتبع عثراته. ويرى الأستاذ أن تلميذه عبء ثقيل يحن إلى اليوم الذي فيه يطرحه ويلقيه