للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبالجملة تنقطع بينهما أسباب الثقة والود وإذا وقعت الوحشة نكب الأول عن طاعة الثاني وسها هذا عن رعاية ذاك.

وليس ينبغي للوالد أن يفضل بعض بنيه على بعض فإنهم جميعاً أبناؤه وعليه أن يوزع بينهم حبه وعنايته على السواء. وهم ودائع عنده القوى منهم والضعيف والجميل والقبيح والصحيح والمعتل ولسوف يسئل عن الوديعة من أودعها. والزواج عقد بين الرجل والطبيعة كما أنه عقد بين الرجل وزوجه.

وإن على من يحاول أن يستقل بما لم تكلفه الطبيعة أن يأخذ لذلك العدة ويهيء له الأسباب من قبل وإلا كان مسئولاً عما ليس له به يدان. فإن الذي يكلف نفسه تأديب طفل منسرق القوى مسلوب المُنّه مدنف الجسم يعتاض من وظيفة المؤدب وظيفة الظئر؟ لأن وقته يضيع في حياطة حياته والمحافظة عليها بدل أن يصرف في إرشاده وتسديده وتثقيفه وتقويمه. ثم أنا أخشى عليه إن مات الطفل أن تجيئه أمه عبرة باكية وتقبل عليه لائمة شاكية ولعله قد مد في عمره وأطاله وكلأه من الموت سنين عديدة.

ليس لي في الخوّار الهشيم حيلة ولو أنسأ الله في أجله حتى يبلغ به الثمانين. فإن مثل هذا لأخير فيه لنفسه ولا للناس. لأنه يظل حياته يرجف من الموت ويتحصن منه وراء الأطباء والصيادلة وما يغني الأطباء ولا الصيادلة. ولأن جسمه عقبه في سبيل تهذيب روحه وأي فائدة في العناية بمثل هذا فإذا فقدناه كانت الخسارة مضاعفة على المجتمع! كلا. فليقم رجل منكم غيري على هذا الضاوي الضعيف. وله مني الشكر على جميل صنعه ومعروفه وكيف لي أن أعلمه كيف يعيش ولا هم له إلا اتقاء الموت؟

ولا بد للجسم أن يكون ضليعاً مريراً ليقوى على النهوض بتكاليف الروح. فإن أحسن الخدم أشدهم أسراً وأوثقهم مُمرَّاً وأنت خبير أن الإلحاح على الشرب يهيج الإحساس ويثير العواطف ويسلب المُلِجَ قوته على مر الأيام وأن التعذيب والصيام يبلغان بالمرء إلى مثل ذلك والجسم إذا ألح عليه الضعف لج في العصيان وهو على العكس مطواع إذا تماسك واشتد. وكلما ضعفت الأجسام اشتد بالنفوس النزاع إلى الشهوات وطغى بها طلب اللذاذات. وأسوأ ما تكون هذه النفوس خلقاً إذا أعياها التماسها وأعجزها بلوغ مأربها منها.

وإذا تداعى الجسم فلا عجب أن تتضاءل الروح وتطمئن إلى الضعف وتخلد إلى الفتور