وعلى ذلك قامت دولة الطب وملك الصيدلة وما علمت شيئاً أضر بالرجال من هذين ولست والله أدرى من أي داء يشفينا الأطباء وأني على هذا لأدري أنهم ينشرون فينا الجبن والخور وسرعة الاستنامة إلى كل قول والخوف من الموت. ولعمري لئن صح أنهم يصلحون الجسم بما يطبون فإنهم يقتلون الشجاعة ويفتكون بالبأس وما خير أجسام ميتة تغدو وتروح. إن حاجتنا إلى الرجال لا الأشباح وما عهدنا الأطباء عندهم ما نبغي ونريد.
وقد أصبح الطب (موده) وحق له أن يكون كذلك فإنه ملهاة النومة ومسلاة المتبطل لما لم يجد ما يعمله جعل يدافع وقته بالطب وهو يحسب أن ذلك يطيل عمره ويمد أجله. ولو ابتلى هؤلاء بالخلود لكانوا أتعس الناس وأشقاهم لأن الحياة وهي كل ما كانوا يحرصون عليه تصير إذ ذاك في مأمن من غوائل الموت فلا يكون لها عندهم قيمة أو ثمن. وأمثال هؤلاء في حاجة إلى الأطباء ليتوعدوهم كي يداجوهم ويراؤوهم وليذيقوهم في كل يوم ألذ ما يشتهون وأمتع ما يطلبون - أعني البعد من الموت!
فإذا كانت طلبتك الشجاعة الحقة والبأس الصادق فالتمسها حيث الأطباء غير موجودين وابغهما حيث الناس لا يعرفون ما الأمراض وما عواقبها ودر عليهما بين من لا يحفلون بالموت ولا يذكرونه. لأن الإنسان الفطري يعيش ويموت في سكينة كما تموت الأشجار. وإنما يهزم فؤاده وينسيه كيف يموت الأطباء بما يصفون والفلاسفة بما ينصحون والقسس بما يخوفون.
فائتني بتلميذ لا حاجة به إلى هؤلاء جميعاً إلا فأليك به عني فأني لا أحب أن يفسد عليّ غيري من أمره ما أصلح. وأطلق إلى أن أفعل به ما أشاء أو فدعني وأنظر غيري من الناس فهم كُثر فأني رأيت لوك وهو من تعرف تقول وكان قد أنفق على طلب الطلب بعض العمر لا ينبغي أن يطب للأطفال لا على سبيل الحيطة ولا فيما ينتابهم من العلل البسيطة وأنا أزيد على ذلك وأضيف إليه أني لما كنت لم استوصف طبيباً أبداً فكذلك لن استطب لتلميذي أميل: ألا أن تكون حياته في خطر ظاهر وما أحسبهم يقدرون إذ ذاك على أكثر من أن يقتلوه.
وخير علوم الطب عندي وانفعها قانون الصحة وما هو لو تدبرت إلا فضيلة لا علم فإن الاعتدال والعمل خير ما يتداوى به المرء لأن العمل يرهف من حد شهوته (يعني شهوة