للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العرب قوماً أقوياء النفوس كأن أخلاقهم سيول دفاقة لها من شدة حزمهم وقوة إرادتهم أحصن سور وأمنع حاجز وهذه وابيكم أم الفضائل وذروة الشرف الباذخ وق كان أحدهم يضيفه ألد أعدائه فيكرم مثواه وينحر له فإذا أزمع الرحيل خلع عليه وحمله وشيعه ثم هو بعد كل ذلك لا يحجم أن يقاتله متى عادت به إليه الفرص وكان العربي أغلب وقته صامتاً فإذا قال أفصح: ويزعم أن العرب من عنصر اليهود والحقيقة أنهم شاركوا اليهود في مرارة الجد وخالفوهم في حلاوة الشمائل ورقة الظرف وفي ألمعية القريحة وأريحية القلب وكان لهم قبل زمن محمد (عليه السلام) منافسات في الشعر يجرونها بسوق عكاظ في جنوب البلاد حيث كانت تقام أسواق التجارة فإذا انتهت الأسواق تناشد الشعراء القصائد ابتغاء جائزة تجعل للأجواء قريضاً والأحكم قافية فكان الأعراب الجفاة ذووا الطباع الوحشية الوعرة يرتاحون لنغمات القصيد ويجدون لرناتها أي لذة فيتهافتون على المنشد كالفراش ويتهالكون.

وأرى لهؤلاء العرب صفة من صفات الإسرائيليين واضحة فيهم وأحسبها ثمرة الفضائل جميعها والمحامد بحذافيرها إلا وهي التدين فإنهم مذ كانوا ما برحوا شديدي التمسك بدينهم كيفما كان وكانوا يعبدون الكواكب وكثيراً من الكائنات الطبيعية يرونها مظاهر للخالق ودلائل على عظمته فهذا وإن يك خطأ فليس من جميع وجوهه فإن مصنوعات الله ما برحت بوجه ما رموزا له ودلائل عليه ألسنا كما قدمت نعتدها مفخرة للشاعر وفضيلة أن يكون يدرك ما بالكائنات من أسرار الجمال والجلال أو أسرار الجمال الشعري كما اصطلح الناس على تسميته؟ قد كان لهؤلاء العرب عدة أنبياء كلهم أستاذ قبيلته ومرشدها حسبما يقتضيه مبلغ علمه ورأيه ثم أليس لدينا من البراهين الساطعة ما يثبت لنا أي حكمة بليغة ورأي مسدد وأي تقوى وإخلاص قد كان لهؤلاء البدو المفكرين؟ وقد اتفق النقاد أن سفر أيوب أحد أجزاء التوراة كتابنا المقدس قد كتب في بلاد العرب. ورأيي في هذا الكتاب فضلاً عن كل ما كتب عنه أنه من أشرف ماسطر يراع ودونت يد كاتب ولا يكاد المرء يصدق أنه من آثار العبرانيين لما فيه من عمومية الأفكار مع شرفها وسموها - عمومية تخالف التعصب والتحيز وحسب الكتاب شرفاً أن يكون يضرب بعرف في كل نفس ويمت بصلة إلى كل قلب ويكون كالبيت يفضى إليه منتهى السبل وكالأرج الضائع تتنازعه جميع