كان لبلبها كريماً وسرهاً حراً شريفاً وكان في التوبة النصوح والندم الصادق ووخز الضمير ولذع الذاكرة أكبر مكفر للسيئات ومطهر لاردان الروح من أدران الشوائب أليست التوبة أكرم أعمال المرء قاطبة وأقدس أفعاله؟ إنما ألام الذنب هو كما قلت حسبان المرء أنه برئ من كل ذنب وكل نفس هذا شأنها فهي في نظري مطلقة من الوفاء والمروءة بعيدة عن التقى والبر والحق أو هي ميتة أو إن تشأ فقل هي نقية نقاء الرمل الجاف الميت وإني أحسب أن سيرة داود وتاريخه كما هو مدون في مزاميره لا صدق آية على ارتقاء المرء في معارج المكرمات وعلى حرب العقل والهوى - حرباً طالما يهزم فيها العقل هزيمة تضعضع جانبه وتتركه لقي مشفياً على الانقراض ولكنها حرب بغير نهاية مشفوعة أبداً بالبكاء والتوبة واسنهاض العزم الصادق الذي لا يبرح يتجدد بعد كل هزيمة يا ويل النفس الإنسانية ما أشد خطبها بين ضعفها وقوة شهواتها! أو ليست حياة الإنسان في هذه الدنيا سلسلة عثرات؟ وهل في استطاعة المرء خلاف ذلك وهل يطيق في ظلمات هذه الحياة إلا الاعتساف والتخبط؟ فما ينهض من عثرة إلا لأخرى وبين هذه وتلك نحيب وعبرات وشهيق وزفرات وإنما الأمر إلهام هو أيظفر على هواه بعد كل هذه المجاهدات وأنا لنصفح عن كثير من الجزئيات مادام اللباب حقاً والصميم صحيحاً وما كانت الجزئيات وحدها لتعرفنا حقيقة إنسان
كانت عرب الجاهلية أمة كريمة تسكن بلاداً كريمة وكأنما خلق الله البلاد وأهلها على تمام وفاق فكان ثمت شبه قريب بين وعورة جبالها ووعورة أسلافهم وبين جفاء منظرها وجفاء طباعهم وكان يلطف من قسوة قلوبهم مزاج من اللين والدماثة كما كان يبسط من عبوس وجوه البلاد رياض خضراء وقيعان ذات امواه واكلاء وكان الأعراببي صامتاً لا يتكلم إلا فيما يعنيه إذ كان يسكن أرضاً قفراً يباباً خرساء تخالها بحراً من الرمل يصطلى جمرة النهار طوله ويكافح بحر وجهه نفحات القر ليله.
رأت رجلا اما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وإما بالعشى فيخصر
ولا أحسب أناساً شأنهم الانفراد وسط البيد والقفار يحادثون ظواهر الطبيعة ويناجون أسرارها إلا أنهم يكونون أذكياء القلوب حداد الخواطر خفاف الحركة ثاقبي النظر وإذا صح أن الفرس هم فرنسويوا المشرق فالعرب لا شك طليانه والحق أقول لقد كان أولئك