للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والحواس لا تكاد تخطى فهم ما تدلها عليه. وقد رأينا من فتياننا الذين لبست العجمة ألسنتهم ما أن قليله ليستعظم في بلائه وشدته وسوء أثره في مدنيتنا الأدبية فهم لا يريدون أن يرجعوا بنا إلى الفصحى من العربية ولا أن يتناولوا من أساليبها ويأنفوا كذلك أن يخطوا بأقلامهم إلى العامية في أسواقها وطرقها بل ينحلون أنفسهم القدرة على خلق اللغات والمواضعة عليها وتيسير سبيلها في الإجتماع العربي ثم لا يتعدون هذا الطور من التأله الكاذب فلا ندري أشر أريد بنا وبهم حتى نزعوا ونزعنا واستجمع كلانا الأقاويل والحجج وافترقنا في سبل الألفاظ كأنا أمتان في أمة واحدة أم هم يمثلون اليوم في تاريخنا أولئك الغزاة الأجلاف الذين انصبوا على مدنيتنا وآدابنا من التتر وغير التتر فأحرقوا كتبنا وعفوا آثار علمائنا وتركوا في تاريخنا مكانا خربا لا يعمر صدعه الزمن كله فإن كان ذلك نتحا في عرف هؤلاء فاللهم أغلق بيننا وبينهم واللهم حوالينا ولا علينا. وإن كان جهلا ونزقا وتحمسا فقد جعلنا من أكبر همنا فيما نكتبه ونستكته في البيان أن نتبسط في الكلام على صلة العربية الفصحى بتاريخنا وقيام مدنيتنا بها وإننا إن نزلنا عنها أو فرطنا في إحيائها وإنمائها فقد تركنا معها أوثق رابطة جمعتنا وأمكن عروة لويت علينا وألنا بانحلالنا ما عجزت الأمم عن الأنته تحت أضراسنا وبين أنيابها حتى قطعنا دهرا من التاريخ الاستعماري في الشرق ونحن نتردد بين الأضراس واللهوات كلما كلت الأولى عن طحننا ونبت عنا دفعتنا إلى الأخرى لتزدردنا جملة واحدة وتعي هذه بازدرادنا وتضيق عنا فنردنا إلى تلك ونحن علي ذلك نحن سيرة بعد سيرة لا يمسكنا إلا لغة نجمعنا بأرقى ما في الدين من الكمال، ودين يجمعنا بأرقى ما في الدنيا من معاني الاستقلال.

وأما التاريخ فهو يتلو اللغة عندنا إذ هو في الحقيقة لغة الحياة الصامتة التي طوى الدهر أشخاصها ولذا كان بديها أن لا تفرط أمة في لغتها إلا فرطت في تاريخها وإن ذلك ليضعفها بما يشبه العبودية وإن لم يتعبدها أحد فترى لها حاضرا لا تنتفع به كأنه ليس لها، وماضيا لا تتصل إليه وكأنه ليس لها، ومستقبلا لا تحفل به فكأنه على هذا القياس ليس لها.

وما بلغت أمة من الذل ما تبلغ هذه الأمة الخيالية التي تنكشف عن ملاجئها المنيعة لتتحصن بالعراء، وتسير في سبيل الحياة ثابتة. . . وهي تجهل ما أمام وما وراء.

من أجل ذلك عنينا بالقول في تاريخ الإسلام وفلسفته وما يداخله من علل الإجتماع ويتصل