للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لألفينا الثاني شيئاً خصوصه كالعموم وإنما كان هذا كذلك لأننا لا نجعل بالنا إلى ما تفيدنا الحياة ولا نلتفت إلى ما نكتسبه من التجارب إذ كان حاصلاً من غير أن يتعلق به إحساس أو قبل أن نرتفع عن سن الحداثة على حين أن المعارف والعلوم التحصيلية إنما نلتفت إليها من أجل ما توجد من الفروق والمميزات ومثل هذا جميعه مثل المعادلات الجبرية لا يلتفت فيها إلى المشترك.

والعادة الوحيدة التي يجب أن يجري عليها الطفل في حياته هي أن لا يجري على عادةٍ قط لا أحب أن يكون تحامله على ذراع أشد من تحامله على الآخر أو أن يكون بسطه ليمينه أكثر من بسطه لشماله واستخدامه لها أغلب وأكثر. أو يأكل أو ينام أو يستيقظ في أوقات معينة وأحيان معلومة أو أن لا يطيق الوحدة بالليل أو النهار وعلى هذا فإن فرضاً عليك أن تخلي جسمه وشأنه وتوليه خطة رأيه وتبيح له جانب عزمه متى صح له على شيء عزم. ومتى استطاع الطفل أن يعرف فرق مابين الأشياء فإن خليقاً بصاحب أمره ووليه أن لا يختار له إلا ما يحسن عرضه عليه فإن في طبيعة المرء أن يرتاح للجديد من الأشياء ولكنه من الإحساس بضعفه والشعور بقصوره وعجزه بحيث يتخوف مما لا يعرف ويستهول ما لم تقع له خبرة به ومن جهل شيئاً خافه وليس خيفته ويزيل حذاره إلا اعتياد النظر إلى الجديد من غير أن يصيبه منه أذى فإنك لتري الطفل الذي نشأ في بيوت النعمة والرفاهة حيث لا يطلق للعنكبوت أن ينسج بيته يرتاع من العنكبوت ثم ينمو وينمو معه هذا الخوف وما أن رأيت حتى اليوم قروياً رجلاً كان أو طفلاً هاله منظر العنكبوت.

وإذا كان اختيار ما يعرض على عين الطفل من الأشياء كافياً لتعويده الجرأة والإقدام أو الجبن والخور فكيف لا يصح القول بأن تربيته تبتدىء قبل أن يحسن أن يتكلم أو يفهم؟ أما إميل فسأعوده النظر إلى كل شيء لاسيما ما هو بشع المنظر منكر الشكل جافي الصورة من الهوام والحشرات والحيوان مليحاً له بها على بعد بادىء الأمر فإذا ألفتها جعلتها منه أدنى شيء تدركه عينه حتى لا يتخوف أن يمسها بأطراف أصابعه أو يقلبها في كفه وإذا كان في حداثته يرى الضفادع والأفاعي والسرطانات ولا يستشعر منها خوفاً فلن يروعه في رجولته حيوان لأن من اعتاد شيئاً لم يخفه.

ما من طفل إلا وهو يخاف الوجوه المستعارة ويليح منها وأميل طفل كسائر الأطفال فليس