للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الممالك المطلقة والممالك التي للشرفاء قسط من الحكم فيها: لهذا يعاني من يهاجم الترك مشقة عظيمة ولكنه متى قهرهم فليس أهون عليه من حفظ ما اغتصبه من ملكهم. وسبب هذه المشقة أن المهاجم لا يجد في مملكة الترك أميراً أو نبيلاً يدعوه إلى اقتحام المملكة ويؤازره على خلع السلطان. ولا ينتظر أن يستفيد من انتقاض بعض أتباع السلطان عليه. لأن وزراءه وولاته كلهم من صنائعه وخدمه. فلا يسهل إغراؤهم عليه. وإذا تم للمغير استمالة بعضهم فليس من الحزم أن يترقب من هؤلاء كبير فائدة. لأنهم عاجزون عن ضم الشعب إليهم للسبب المتقدم. ولذلك كان حتماً أنو يوقن من يشاء الزحف على الترك من أنه واجدهم يداً واحدة. وعليه أن يعتمد على عدته وجيشه أكثر من اعتماده على الدسائس الداخلية. فإذا تهيأ له الغلب عليهم وتشتيت شمل عسكرهم بحيث لا يبقى من يستطيع أن يجمعهم لمدافعته فقد استقر له الأمر وليس عليه أن يخشى إلا من أقرباء السلطان وأعضاء أسرته. فأما غيرهم من حشم السلطان وأتباعه فلا اعتماد للشعب عليهم ولا هو ينقاد إليهم. وكما أن المغير لم يعول على تعضيدهم قبل الفتح فليس عليه أن يرهب بأسهم بعده.

كان هذا شأن الدولة العثمانية لعهد ماكيافيلي أي في أيام سليم الأول وهي بعد في جن صباها وريعان فتوتها. فأما بعد ذلك فقد كانت الفتن الداخلية أشد على الدولة من أعدائها. ولا يعنينا من قول ماكيافيلي المتقدم إلا أن الحكومة هي مركز القوة في الممالك العسكرية المطلقة وأن الهزيمة تقع في تلك الممالك على رأس أولى السلطة دون سواهم - والانحلال الطبيعي في حكم الهزيمة من هذه الوجهة. أي أن أعراضه تظهر على الدولة دون الأمة؟؟

ولا يختلف اثنان في أن الدولة العثمانية قد تطرق إليها الهرم، وأنها ليست تلك الدولة الفاتحة التي عرفها الناس قديماً. ولا يمكن أن تعود كذلك فى يوم من الأيام. فهل اتصل الهرم بشعوبها منها وخمدت فيها جذوة الحياة. فلا عزم فيها يوري. ولا أمل عندها يرجى؟؟

ليس فى بوادر الشعوب العثمانية قاطبة ما ينبئ بشيخوخة أو انحلال، بل كلها لا تزال على حال الفطرة. لم تخثر طبائعها، ولم تفتر حرارتها ولا انتكست أخلاقها، وهذا التركي لم يفتأ شجاعاً جليداً كريم الطبع جم الأدب، والسوري لا تزال له خبرة الفينيقيين بالتحول على الكسب والسعي في طلب المعيشة، ولا يزال البدوي على عنجهيته الجاهلية وشرته الأولى، والكردي ما برح على عهده من يوم خلق، يغزو ويقنع بغفة من العيش، ولم يفقد الأرمني