للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سواها حلية نلتقطها من النفس فتنسل في أيدينا كما تنسل الشعرة من العجين ولكنها زاوية في بناء لو ثللناها لانهار الجدار على أثرها. فنحن نخرج الرحمة من النفس فيخرج معها كل ما يرتبط بها من صفات الحذق والفطنة وحسن الذوق ودقة التصور وما شاكلها من فضائل لطافة الإحساس، أو نسلخ عنها الغرور فتتبعه العزة والثقة بالنفس وصلابة الطبع وما نحا نحوها. فمن رام أن يصلح هذه الطباع فليكن كالطبيعة كيماوياً ماهراً في تركيب سجايا النفس وتحليلها والطبيعة على كل حال أخبر بصناعتها وأدرى بوضع المواهب بحيث يؤدي كل منها عملاً لا يستغني عنه المجتمع الإنساني. وهو أوسع من أن تنفرد به صفة واحدة مهما بلغ شأنها.

وقد أساء نيتشه تفسير معنى القوة في تنازع البقاء فحصرها في القوة البدنية وليس الأمر كذلك ثم انه لم يلتفت إلى أن الخيبة في الحياة قد تكون أحياناً من سيئات المجتمع وليس من سيئات المجتمع وليس من سيئات الفرد وأن من رجال المواهب من ينبغون قبل أوانهم فلا يحسن المجتمع الانتفاع بهم. ولو ارتقى المجتمع لأحسن استخدام قواه في مواضعها ولم يضيع منها كبيرة ولا صغيرة. وحسب الإنسان حجة على حقه في البقاء أنه يبقى وإلا لا فنته الطبيعة صاحبة الناموس والقائمة بتنفيذه من غير حاجة إلى مداخلة الناس.

وفي كتب نيتشه عدا ما تقدم آراء نهاية في الشذوذ والغرابة. وفيها من الدعوة. إلى الفوضى ما يسلكه بين أكبر دعاة الفوضوية. وغاية الأمر فيه أنه رجل استولى عليه القنوط والحيرة، ولا نظن أن الحيرة هي عيب الرجل الذي يؤخذ به، فإنها نهاية كل باحث في هذا الزمان، وليت شعري إذا كنا نعلم كل شيء في عصرنا هذا ولا نحار في شيء فماذا بقي لأبناء القرن الخامس والعشرين أو الثلاثين، ليعرفوه ويكشفوا غطاء الحيرة عنه؟؟

ولكن عيب الرجل إنما هو تهجمه وجزمه بما لا يستطاع الجزم به. على أن آراءه لا تخلو من الثمين النافع وأقل ما فيها أن الاعتدال في فضائله ينمي في النفس عواطف الأنفة والصبر، ويثبت فيها صفات الرجولة والعنفوان.

وقد اقتطفنا الكلمات التالية من كتابه (الفجر) وهو يشير به إلى فجر اليوم الذي تتحقق فيه مبادئه. وقد ذكر في مقدمته أنه طفق زمناً يسري في نفق موحش مظلم ثم خرج للناس بهذه الآراء من تلك السبيل المجهولة. وقال أنه عبد للناس تلك السبيل فهم لا يعانون ما عاناه إذ