للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

طرقوها. ولكننا كيف كان الأمر نتناول آراءه التي أتانا بها من ذلك النفق ولا نمشي وراءه. ونقول لكل رحالة مثله: هات ما لديك من عجائب سياحتك ولكن لا تحاول أن تجعل الناس كلهم رحالين مثلك.

* * *

الأخلاق في عالم الحيوان - إن الأصول التي تشدد البيئات المهذبة في مراعاتها. كاجتناب ما يبعث على السخرية والترفع عن البرقشة، وإخفاء مزايا الإنسان وكتمان عوزه وضروراته الماسة، وخضوعه لأحكام الظرف والكياسة المصطلح عليها - كل هذا يمكن أن يشاهد على وجه الجملة في أدنى أنواع الحيوان أو يقابل عندها بما يناسبها من قواعد الكياسة الغريزية المكونة في طبائعها. وإذا شئنا أن نهبط إلى أساس بنائنا الأخلاقي، فالبحث عنه إنما يكون في رسمه الأول الذي أودعته الفطرة طبائع الحيوان. فأما أساسها فالتودد المقرون بالحذر، وقوامها الرغبة في النجاة من الأعداء والتماس المعونة على الفتك والاعتداء.

فمن هذا الإحساس الباطن يتعلم الحيوان كيف يضبط نفسه ويتصنع إخفاءها، حتى أن منه ما يتخذ لجلده لوناً يأتلف مع ألوان ما يحدق به (وهو ما يسمونه وظيفة التلون) ومنه ما يتماوت أو يتشكل بشكل حيوان آخر ولونه، ويماثل الرمال وأوراق الشجر أو العشب أو الإسفنج (وهو ما يسميه الطبيعيون الإنكليز بوظيفة التقليد).

ولا يخرج الأدب الإنساني عن هذه الفطرة، فإن الفرد ينضوي تحت اسم نوعه العام، ويكيف نفسه كما يوافق من يتصل بهم من الأمراء والبيئات والأحزاب أو يجري مع تيار الأفكار في عصره، ويلائم ما يحدق به من الأطوار والأحوال،

وليس أيسر علينا من أن نراقب هذه القدرة في الحيوان، فإننا وإياه سواء في حذق هذه الوسائل التي تكسبنا السعادة والشكر وتظهرنا بمظهر القوة بين أقراننا، وتجذب إلينا الأنظار من حولنا.

بل نحن نقول أننا والحيوان نشترك في إدراك معنى الحق، وما الحق في كهنه إلا مظهر حاسة التحفظ والرغبة في الأمن والتقية. فنحن نأبى أن يخدعنا غيرنا أو ننخدع لأنفسنا بالباطل ونتوجس من إغراء عواطفنا، ثم ننظر بعين الحذر والحيطة إلى أميالنا.