للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه منهم رجلان أو ثلاثة أولوا بأس ونفوذ وسرى أمر محمد ببطء ولكنه سريان على كل حال وكان عمله بالطبع سيء الوقع لدي كل إنسان حيث جعلوا يقولون من هذا الذي يزعم أنه أعقل منا جميعاً والذي يعنفنا ويرمينا بالحمق وعبادة الخشب! وأشار عليه أبو طالب أن يكتم أمره ويؤمن به وحده وأن يكون له من نفسه ما يشغله عن العالم وأن لا يسخط القوم ويثير غضبهم عليه فيخطر بذلك حياته فأجابه محمد والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته كلا فإن في هذه الحقيقة التي جاء بها لشيئاً من عنصر الطبيعة ذاتها لا تفضله الشمس ولا القمر ولا أي مصنوعات الطبيعة ولابد لتلك الحقيقة من أن تظهر برغم الشمس والقمر ما دام قد أراد أن تظهر وبرغم قريش جميعها وبكره سائر الخلائق والكائنات نعم لا بد من أن تظهر ولا يسعها إلا أن تظهر بذلك أجاب محمد ويقال أنه اغرورقت عيناه اغرورقت عيناه: لقد أحس من عمه البر والشفقة وأدرك وعورة الحال وعلم أنه أمر ليس بالهين اللين ولكنما أمر صعب المراس مر المذاق.

واستمر يؤدي الرسالة إلى كل من أصغى إليه وينشر مذهبه بين الحجيج مدة إقامتهم بمكة ويستميل الاتباع هنا وهنالك وهو يلقى أثناء كل ذلك منابذة ومناوأة ومناصبة بالعداوة ومجاهرة وشرا بادياً وكامنا وكانت قرابته تحميه وتدافع عنه ولكنه عزم هو وأتباعه على الهجرة إلى الحبشة فوقع خبر ذلك العزم من قريش أسوأ موقع وضاعف حنقهم عليه فنصبوا له الأشراك وبثوا الحبائل وأقسموا بالآلهة ليقتلن محمداً بأيديهم وكانت خديجة قد توفيت وتوفى أبو طالب وتعلمون أصلحكم الله أن محمداً ليس بحاجة إلى أن نرثى له ولحاله النكراء إذ ذاك ومقامه الضنك وموقفه الحرج ولكن اعرفوا معي أن حاله إذ ذاك من الشدة والبلاء كما لم ير إنسان قط فلقد كان يختبئ في الكهوف ويفر متنكراً إلى هذا المكان والى ذاك لا مأوى ولا مجير ولا ناصر تتهدده الحتوف وتتوعده الهلكات وتفغر له أفواهها المنايا وكان الأمر يتوقف أحياناً على أدنى صغيرة - كأجفال فرس من أفراس أتباع محمد - فلو حدث ذلك لضاع كل شيء ولكن أمر محمد - ذلك الأمر العظيم - ما كان لينتهي على مثل تلك الحال.

فلما كان العام الثالث عشر من رسالته وقد وجد أعداءه متأليين عليه جميعاً وكانوا أربعين