للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأوثق لاعتقادي من انضمام إنسان آخر إلي في رأيي نعم إنه لصنيع أغر ونعمة وفيرة وكذلك ما انفك محمد يذكر خديجة حتى لقي ربه حتى إن عائشة - زوجه الصغيرة المحبوبة تلك التي اشتهرت بين المسلمين بجميع المناقب والفضائل طول حياتها - هذه السيدة البارعة الجمال والفطنة سألته ذات يوم ألست الآن أفضل من خديجة؟ لقد كانت أرملة مسنة فقد ذهب جمالها وأراك تحبني أكثر مما كنت تحبها. فأجاب محمد كلا والله لست أفضل منها وكيف وهي التي آمنت بي والكل كافر ومنكر ولم يك لي في هذا العالم إلا صديق واحد - وهذا الصديق هي وآمن به مولاه زيد (بن حارثة) كذلك وعلي وهؤلاء الثلاثة أول من آمن به.

وجعل يذكر رسالته لهذا ولذاك فما كان يصادف إلا جموداً وسخرية حتى أنه لم يؤمن به في خلال ثلاثة أعوام إلا ثلاثة عشر رجلاً وذلك منتهى البطء وبئس التشجيع ولكنه المنتظر في مثل هذه الحال وبعد هذه السنين الثلاث أدب مأدبة لأربعين من قرابته ثم قام بينهم خطيباً فذكر دعوته وإنه يريد أن يذيعها في سائر أنحاء الكون وإنها المسألة الكبرى بل المسألة الوحيدة فأيهم يمد إليه يده ويأخذ بناصره؟ وبينما القوم صامتون حيرة ودهشة وثب علي وكان غلاماً في السادسة عشرة وكان قد غاظه سكوت الجماعة فصاح في أحد لهجة أنه ذاك النصير والظهير ولا يحتمل أن القوم كانوا منابذين محمداً ومعادينه وكلهم قرابته وفيهم أبو طالب عم محمد وأبو علي ولكن رؤية رجل كهل أمي يعينه غلام في السادسة عشرة يقومان في وجه العالم بأجمعه كانت مما يدعو إلى العجب المضحك فانفض القوم ضاحكين ولكن الأمر لم يك بالمضحك بل كان نهاية في الجد والخطر! أما علي فلا يسعنا إلا أن نحبه ونتعشقه فإنه فتى شريف القدر كبير النفس يفيض وجدانه رحمة وبراً ويتلظى فؤاده نجدة وحماسة وكان أشجع من ليث ولكنها شجاعة ممزوجة برقة ولطف ورأفة وحنان جدير بها فرسان الصليب في القرون الوسطى وقد قتل بالكوفة غيلة وإنما جني ذلك على نفسه بشدة عدله حتى حسب كل إنسان عادلاً مثله وقال قبل موته حينما أومر في قاتله أن أعش فالأمر إلي وإن أمت فالأمر لكم فإن آثرتم أن تقتصوا فضربة بضربة وأن تعفوا أقرب إلى التقوى!

وكان في عمل محمد هذا إساءة ولا شك إلى قريش حراس الكعبة وخدمة الأصنام وانضم