للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعنى غرابة. تجلوهما الوحشة والوحدة وكم يوم من الصحو صافي الأديم طويت غلالته راقداً في زورقي انظر السمك الكبار في ضمير الماء كأنها خيالات الشياطين ولقد سمعت في بعض وقفاتي بالشاطئ وقد سجا الليل صيحة من جوف المحيط فكأنها لحزنها وشجاها جاءت من فؤاد ثاكل ولهى. .

في هذه البقعة العجيبة خلفي التلال الأبدية وأمامي الأمواه الأبدية أمضيت عامين بحثاً ودرساً بمعزل عن الناس لا يكدر صفو عيشتي رجل ولا مرأة وكان عندي عجوز خادمة فما زلت آخذها بالسكوت وأروضها على الصمت حتى لكان يمر بها الشهر فالشهر فلا تكاد تحرك بحرف لسانها. وكذلك قضيت أيامي بذاك الديدن حتى كدت أنسى أنني من فصيلة الإنسان وحتى أصبحت إنما أعيش مع من أقرأ كلامهم من الموتى. فإنني لكذلك إذ حدث ما صرف عنان حياتي عن هذه السبيل القفرة والخطة الصامتة.

جاء في شهر يونيه ثلاثة أيام ريّحة أعقبها يوم ناعم الأنفاس رقيق الحواشي كان ماؤه أخرس الريح وأجم الهواء. ثم غربت الشمس وراء صف من سحاب صهب وتوشح صدر المحيط قطعاً من الشفق حمراء. وكان ما تركه المد على أديم الساحل من ثغب وغدران يحمر كأنه مجاجات الدم المهراق فكأن مارداً جريحاً قد خاض مكدوداً هذه الأماكن فوسمها بآيات جراحه النجل وطعناته الجوفاء ولما اعتكر الليل وتكاثف الغيهب حشدت بالأفق الشرقي سحاب كانت قبل مفترقة فصارت عارضاً ركاماً يؤذن بالشر والبلاء وفي الساعة التاسعة صعد من البحر أنين ضعيف كأن موجعاً دنفاً أحس معاودة الألم فجزع وارتاع. وفي الساعة الحادية عشرة أعصاراً. فلما نصف الليل كان تحت أرواق الظلام زوبعة كأفظع مامزق أديم الجو وزلزل جوانب الفضاء ثم ذهبت إلى المرقد والبحر يحصب زجاج نوافذي بإجذام عشب الماء والحصا. والريح تعول. في كله هبة روح حائر. ولكني ما درجت في أثناء الفراش حتى عاد ضجيج العناصر في أذني غناء منيما ولا جرم فلقد كنت من شاهقة جدراني في أحرز حرز وأحصن حصن ومعقل يهزأ بصولة الماء وسطوة النكباء على حد سواء. فأما ما ينوب الخلق خارج داري فذاك ما لا أحفل ولا أبالي. ولا يقع في نفسي ولا يخطر ببالي. وكذلك كانت جفوة العجوز مادج وقسوتها. فلما كانت الساعة الثالثة صباحاً ما راعني إلا قرع على بابي شديد متوال نفر عني أسراب الكرى