للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وصيحات ملء فم العجوز فوثبت من مضجعي وسألتها بغلظة ما الخبر؟

فصاحت: مولاي مولاي! انزل مسرعاً يا رجل أسرع نازلاً! فلقد والله صدمت الصخور مركباً وإن أهله ليندبون ويستغيثون وأخشى أن يغرقوا فاعجل إليهم سيدي بمدد من عندك وادركهم بغياث من لدنك!.

اخرسي أيتها الورهاء! لا حياك الله ولا حرسك! ماذا يعنيك لو ينجو القوم أو يهلكون. انقلبي إلى فراشك ودعيني وشأني ثم تغطيت أمتري النوم ثانياً. وأنا أقول لنفسي لقد تجرع هؤلاء الثوم نصف غصص الموت وكابدوا نصف أهواله فإذا هم أنقذوا فإنما هي سنين قلائق ثم يجرعهم الدهر تلك الغصص ويريهم القضاء هذه الأهوال ثانياً. فأما وقد عانوا ارتقاب الموت الذي هو أشد ما في الأمر وأصعبه - وتوقع المكروه آلم من وقوعه - فأولى لهم والله أن يقطعوا بقية هذا المجاز ثم يستريحوا. قلت هذا وشرعت أمتري النوم. ولكني وجدت بسماء نفسي من عاصفات الهواجس أشد مما بسماء الله ذات البروج فجعلت أتقلب وأتململ وقد أنبت الأرق ضوك القتاد تحت جبيني وأوقد السهد جمر الغضا. فنبا الوساد وأقضّ المضجع ثم سمعت ضجيجاً غامضاً بين صياح الزوبعة فعلمت أنه صوت بندقية المستغيث فثرت بدافع من النفس لا مرد لسلطانه فلبست ثيابي وأشعلت متبغي ثم خرجت إلى الشاطئ.

وكان الظلام حالكاً وقد عنفت الريح حتى لأصدمها بكتفي وأزحمها بمنكبي وهي تجمش وجهي بحاصبها وقد علق من متبغي بأذيالها الشرر والرماد لمّا يخبو وأوشك. ثم انحدرت إلى حيث الموج العظيم ينهمر هدراً مزمجراً وأظللت ناظري بيدي أتقي طامح الدفاع الملح فنظرت من تحتها إلى اليمّ فلم أكد أستبين شيئاً غير أنه خيل إليَّ أن أصواتاً مهمة وصيحات غير مبينة تأتي من اليم على جناح الريح. ثم شب نور أزرق أضاء الخليج والساحل. وكانوا يوقدون بالمركب ضوءاً آية على الخطر فنظرت فإذا السفينة مقلوبة بين الصخور على جنبها حتى لأبصرت كل ما بها من الألواح. وكانت كبيرة ذات شراعين أجنبية تنزل من الشاطئ على مائتي ذراع أو نحوها. ووراء السفينة كانت الأمواج تواتر من كبد الظلماء جياشة دافقة لا تستريح ولا تنتهي على أعرافها خصل بيض من الزبد وكلما دنت من الأضواء الزرق موجة خلتها تزداد قوة وحجماً وبطشاً وجمحاً ودفعة