على منهاج الدينا فإن الفلاح في ذلك (إذ كان منهاج الدينا هو طريق الفلاح): وجاء محمد وشيع النصارى تقيم أسواق الجدال وتتخابط بالحجيج الجائرة وماذا أفاد ذلك وماذا أثمر إما أنه الأهم ليس صحة ترتيب القضايا المنطقية وحسن إنتاجها وإنما هو إن خلق الله وأبناء آدم يعتقدون تلك الحقائق الكبرى لقد جاء الإسلام على تلك الملل الكاذبة والنحل الباطلة فابتلعها وحق له أن يبتلعها لأنه حقيقة خارجة من قلب الطبيعة وما كاد يظهر الإسلام حتى احترقت فيه وثنيات العرب وجدليات النصرانية وكل ما لم يكن بحق فإنها حطب ميت أكلته نار الإسلام فذهب والنار لم تذهب.
أما القرآن فإن فرط إعجاب المسلمين به وقولهم بإعجازه هو أكبر دليل على اختلاف الأذواق في الأمم المختلفة هذا وإن الترجمة تذهب بأكثر جمال الصنعة وحسن الصياغة ولذلك لا عجب إذا قلت أن الأوربي يجد قراءة القرآن أكبر عناء فهو يقرؤه كما يقرأ الجرائد لا يزال يقطع في صفحاتها قفاراً من القول الممل المتعب ويحمل على ذهنه هضاباً وجبالاً من الكلم لكي يعثر في خلال ذلك على كلمة مفيدة أما العرب فيرونه على عكس ذلك لما بين آياته وبين أذواقهم من الملاءمة ولأن لا ترجمة ذهبت بحسنة ورونقه فلذلك رآه العرب من المعجزات وأعطوه من التبجيل ما لم يعطه أتقى النصارى لأنجيلهم وما برح في كل زمان ومكان قاعدة التشريع والعمل والقانون المتبع في شؤون الحياة ومسائلها والوحي المنزل من السماء هدًى للناس وسراجاً منيراً يضيء لهم سبل العيش ويهديهم صراطاً مستقيما ومصدر أحكام القضاة الدرس الواجب على كل مسلم حفظه والاستنارة به في غياهب الحياة وفي بلاد المسلمين مساجد يتلى فيها القرآن جميعه كل يوم مرة يتقاسمه ثلاثون قارئاً على التوالي وكذلك ما برح هذا الكتاب يرن صوته في آذان الألوف من خلق الله وفي قلوبهم اثني عشر قرناً في كل آن ولحظة ويقال إن من الفقهاء من قرأه سبعين ألف مرة!
إذا خرجت الكلمة من اللسان لم تتجاوز الأذان وإذا خرجت من القلب نفذت إلى القلب والقرن خارج من فؤاد محمد فهو جدير أن يصل إلى أفئدة سامعيه وقارئيه وقد زعم براديه وأمثاله أنه طائفة من الأخاديع والتزاويق لفقها محمد لتكون أعذاراً له عما كان يرتكب ويقترف وذرائع لبلوغ مطامعه وغاياته ولكنه قد آن لنا أن نرفض جميع هذه الأقوال فإني