للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ورب بليغ راجح الرأي والحجا ... ولكنه بين الحوادث صامت

وقال العقاد:

شكوتَ الذي أشكوه فاعلم بأنني ... وجدت من الأيام ما أنت واجد

أضر بعيني النقع حتى حسبتني ... أكابد وحدي في الوغى وأجاهد

أتحسب أن اليمّ يسكن إن شكا ... نظائر ما نشكوه من الثوران

ولو كان يلقى ما نلاقي من الأذى ... لطاف على الأرضين بالفيضان

أهابت بنفسي وثبة بعد وثبة ... كما نهض الرئبال لم يرأم الأسرا

وقد روضّها الحادثات فأخلدت ... إلى القيد حتى ما تهم به كسراً

لقد كنت أرجو في الحياة لبانة ... فعدت ومالي في الحياة رجاء

وكنت أظن الناس إلا أقلهم ... كراماً إذا هم كلهم لؤماء

وكان خيالي في السماء محلقاً ... فهاض جناحيه الزمان المغرر

إذا استل منه ريشة بعد ريشة ... جرى دمه في أزهار يتحدر

وكنت إذا هبّ الرجاء ابتدرته ... وساورت تيار الحياة بلا جدوى

فأسلمت نفسي للزمان فأشبهت ... سواحله الخضراء أغواره القصوى

عجيب من الدنيا توالى صروفها ... وأعجب منه حبنا لدوامها

هو العيش داء والنفوس مريضة ... ولكنها تأبى شفاء سقامها

إذا جهل المرء الحياة أحبها ... وقد يعشق الإنسان ما ليس ينظر

يشوّقنا من يحجب الشك حسنه ... وقد نؤثر السلوان ساعة يسفر

يلذ لنا مطل الرجاء كأنه ... حبيب يروق المطل منه ويعجب

ونعرض عن صدق القنوط لأنه ... عبوس المحبة شاحب الوجه أشيب

على أنني أحيا كأني عائش ... لغيري فلا نفعاً أُصيب ولا ضرا

وقد كنت أُزْهَى بالأمور فإنني ... لأخجل مما كنت أزهي به دهراً

وآدم في الفردوس ما زال عارياً ... يهش لريحان النعيم ويقطف

فلما جنى غرس الحقيقة راعه ... من الأمر ما قد كان من قبل يألف

أصوغ على ضرب الحوادث نغمة ... وليس لأنغام الزمان تناسب