للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اشتغال بأمره عن أمورهم وانصراف عن شؤونهم إلى شؤونه. وكل امريء في هذه البلاد لا يستنصح إلا نفسه ولا يترك ما فيه رضاه لا رضاء غيره ولا أعلم على ظهر البسيطة مصراً خلاف هذا المصر يصفح فيه عن الشواذ والعجائب من العادات والأعمال حتى لا يكاد يلتفت إليها أو يفطن لها. فالإنكليزي يمشى في الوابل الهتان مغلقاً مظلته بهزها هز العصا. ويلبس على منكبيه رداء أو سرجاً وعلى رأسه قلنسوة أو مخلاة ويمشى على رجليه أو يسعى على أم رأسه أو يتدحرج على جنبيه ولا يقال فى ذلك حرف واحد. وإذ كان قد طال عهده بهذا الأمر وتقادمت العصور على تلك العادة فقد أصبحت قد مزجت بدمه. ورسبت فى عظمه وجالت بين جلده ولحمه.

وجملة القول كل امريء من هؤلاء الجزائريين جزيرة فى نفسه هادئ صامت مطمئن منقطع عن سائر أهل جلدته. وإنك إن تلقه وسط جماعة من الأجانب حسبته أصم. فهو لا يرسل الطرف في نحاء المجلس ولا يرتعه في أشخاص القوم بل لا يزال عاقده بمائدته أو صحيفته ثم لا يبدو عليه للتطلع والقلق أدنى أثر. ثم لا تراه يمد للمصافحة راحة ولا تراه يلقى لحظك بلحظه

ورابني منه أنى لا أزال أرى ... في طرفه قصراً عنى إذا نظرا

ونظرك في وجه أجدهم قبل التعارف ذنب لا يغتفر. والإنكليز لا يحدون التعارف بين الأفراد في حفلات الأعيان ولا في الحفلات المختلطة شدة اهتمام بمسألة التعارف كأنهم يرونها صنفاً من المعاهدات والمبايعات والإنكليزي ضنين باسمه لا يكاد يبوح به لصاحب النزل الذي هو وافده والخان الذي هو وارده. ولئن ظفرت منه ببطاقته فلقد ظفرت ولا ريب بمودته. وإذا قدم إليك ألفيته منقبضاً جافياً. مزوراً نائياً. على حين أنه الراغب في صداقتك. المؤمل لمودتك. الباغي سعادتك وفلاحك. الطالب نفعك وإصلاحك.

والإنكليزي جاد ماض محب للنظام والنظافة شديد التمسك بالرسوم والاصطلاحات. والسنن والعادات. محب لدين والصدق مع الإقامة على القديم والتشبث بالرسوم. وقد أجمع الناس على مدح المطاعم والبيوت الإنكليزية وما جمعت من أسباب النعيم والراحة وكل نزل بتلك الديار أو منزل ضمان على أهله إكرام مثوى الضيف يقري هنالك مع الطعمة الطيبة والجرعة السائغة عذوبة اللقاء وحسن الإقبال والإصغاء. وجميل التلطف والاحتفاء. وقد