يكون الفرنسي نظيفاً. ولا يكون الإنكليزي إلا نظيفاً. بادي النظافة والنظام في ثوبه وسائر متاعه.
ولما كان الإنكليزي قد أقامه الله بأرض هطالة الأنواء. مغيمة الأجواء. قارسة الهواء. تسجنه بداره وتغله إلى سريره وكان مع ذلك ودوداً وفياً. وبراً تقياً. أصبح شديد الحب لداره. فإذا كان موسراً ابتنى إيواناً. واقتنى غلماناً. وإذا كان متوسط الحال لم يدخر دون تنميق داره شيئاً. فأما ظاهر الدار فيطلي دهاناً. وأما الباطن فيكسى الخشب الصقيل جدراناً. وتفرش أرضه خزاً وكتاناً. ويزان بالصور والنقوش ألواناً. ويملأ بسائر أنواع الفرش الوثيرة والتحف المونقة. وتحلية البيت وزخرفته هي آخر ما يبقى من شهوات الإنكليزى بعد ذهاب سائرها. فهو لا يزال يسوق إلى داره كل ما طاب ولذ. ولما كان مع ذلك محباً للبقاء بالدار عينها يرثها عن سلفه فيورثها خلفه
كالحسام الجزار يبقى على الدهر ويفني في كل عصر قرابه
فلا جرم إذا رأيت الدار قد أصبحت على كر العصور متحفاً جامعاً قد ضمن جميع مآثر السلف منذ أول ساكن ومخلفات أولئك الآباء والجدود ومفاخرهم - شواهد وقائعهم ودلائل أفاعيلهم. والإنكليزى مولع بآنية الفضة. وهو وإن أعوزته الصفائف المعروضة من صور الآباء والأجداد لم تعوزه الصفائف المعروضة من أكواب مدامهم وأواني فطائرهم.
وإن بديار الموسرين من آنية الفضة مالا يكاد يصدق بمقدار بشر. وليس يخلو أحقر البيوت من ملعقة أو قدر - هدية عمة أو جدة ونقيذة من نقائذ الدهر وعنواناً على ما درس من عهود النعيم وانقرض.
التربة الإنكليزية تنبت في صفاء صحو الدعة وسقيا مياه الأدب الصريح. والعلم الصحيح. أكرم النساء وفضلياتهن. ولا يعلم فى الوجود شيء قد أصاب من الرقة في غير تصنع والخفر في غير تكلف ومن الفضائل الفطرية والمحاسن الغريزية ما أصابت المرأة الإنكليزية ولا شيء أصدق وأطهر وأرق من تبادل الحب والوفاء بين الإنكليزي والإنكليزية لقد جاء في بعض أناشيد ١٥٦٩ ليس أعظم من حظوة الإنكليزية بزوجها إلا حظوة الإنكليزى بزوجته والمرأة العفة النقية المذكورة في رواية شاكسبير سمبيلين مستعارة ولاشك من المرأة الإنكليزية وكذلك بورشيا زوجة بروتاس وكيت برسي ودزدمونا.