للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولبثت ساهماً سليباً كأنما أثخنني امرؤ ضرباً ولا أدرى مما جرى حولى شيئاً حتى رفعت إلى السماء بصري وأنا شارد اللب فاستقر على كوكب مبعد يتولى.

حييت ذلك الضياء الهادئ حيث الشعراء مبصرون عالماً قفراً خراباً وانطلقت حاسراً لتحيته رأسى ثم أخذت سمتى مولياً.

عدت إلى دارى وأنا مطمئن السرب، لا شعور ولا حس ولا فكر، وجعلت أتفضل من لبستي ثم أويت إلى سريري على أننى ما كدت أضع رأسي على الوسادة حتى نهضت في نفسى فكرة الانتقام فاستويت في مهادي جالساً كأنما أشلائي وأعراقي ارتدت خشباً.

ثم نزلت عن سريرى صارخاً وذراعاى ممتدان وتشنجت أعصاب قدمي فبعد لأ] استطعت أن أمشي على كعبي وتمكثت ساعة على هذه الحال حانقاً مغضباً صلب الأوصال.

ذلك الرجل الذى تحرج مع خليلتي حبيب متمكن بين أحبابى وخليص من صفوة خلصانى.

فلما بكرت مصبحاً انطلقت إلى داره في رفقتي محام فتى يدعى (ديزينيه) متزوداً بمسدسين واستصحبنا شاهداً آخر ويممنا غابة فنسان جميعاً.

فلما كنا في الطريق مصعدين تحاميت أن أتحدث إلى خصمي أو أقترب منه وغالبت هوى نفسي فما تضاربنا ولا تباهلنا فإن ذلك ده لا يغني والقانون يبيج المناجزة ويحل لها شرعاً ولكنني ما استطعت أن أحمي عنه عينى أو أرد عن وجهه طرفي، كان صديق شبيبتى ورفيقي في الطفولة والصبا، وتبادلنا العوارف أعواماً وهو بغرامي لخليلتى عليم محيط بل لكثر ما سمع عنى أن علاقتى بها حرام على الصديق وهواى لها ممتنع على الولى وأنه لن يستطيع أن يخلفنى في حب، وإن أحب المرأة التي أنا بها صب.

كنت واثقاً به جهد يميني، بل ما شددت على يد مخلوق أحر من شدى على يده، بل ما حييت أحداً بتحية أحسن من تحيتى له.

والآن أنظر مندهشاً متحيراً إلى هذا الرجل الذي طالما سمعته يتكلم في الصداقة كأحد أبطال العهود المتصرمة وقد رأيته بالأمس يضم خليلتى! هذا أول عهدي برؤية الخلقة الممسوخة. .!

كنت أنظر إليه بعين مستوحشة لأعلم كيف ركب. ذلك الذي تعرفت له وأنا ابن عشرة أحوال ثم عشنا على محض المودة والصفاء. بدا اليوم كأني ما رأيته في حياتي من قبل.