الشراح والمفسرين لا على ما جاء في الكتاب فإن القرآن قد أقل جداً من إسناد الحسيات والماديات إلى الجنة والنار وكل ما فيه عن هذا الشأن إيماء وتلميح وإنما المفسرون والشراح هم الذين لم يتركوا لذة حسية ولا متعة شهوية حتى ألحقوها بالجنة ولا عذاباً بدنياً وألماً اجتماعياً حتى أسندوه إلى النار ثم لا تنسوا أن القرآن جعل أكبر ملاذ الجنة روحانياً إذ قال وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها آمنين فالسلام والأمن هما في نظر كل عاقل أقصى أماني المرء وأعظم الملاذ قاطبة والشيء الذي عبثا يلتمسه الإنسان في الحياة الدنيا وقال أيضاً ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين وأي رذيلة أخبث من الغل مصدر المحن والمصائب والنقم والآفات وأي شيء أهنأ من التآلف والتصافي؟
وأي دليل أشهر ببراءة الإسلام من الميل إلى الملاذ من شهر رمضان الذي تلجم فيه الشهوات وتزجر النفس عن غاياتها وتقدع عن مآربها وهذا هو منتهى العقل والحزم فإن مباشرة اللذات ليس بالمنكر وإنما المنكر هو أن تذل النفس لجبار الشهوات وتنقاد لحادي الأوطار والرغبات ولعل أمجد الخصال وأشرف المكارم هو أن يكون للمرء من نفسه على نفسه سلطان وإن يجعل من لذاته لا سلاسل وإغلالا تعيبه وتعتاص عليه إذا هم أن يصدعها بل حليا وزخاف متى شاء فلا أهون عليه من خلعها ولا أسهل من نزعها وكذلك أمر رمضان سواء كان مقصوداً من محمد معيناً أو كان وحي الغريزة وإلهاماً فطرياً فهو والله نعم الأمر.
ويمكننا القول على كل حال بأن الجنة والنار هاتين هما رمز لحقيقة أبدية لم تصادف من حسن الذكر قط مثلما صادفت في القرآن وماذا ترون تلك الجنة وملاذها وهاته النار وعذابها وقيام الساعة التي يقول عنها يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ماذا ترون كل هذه إلا ظلاً تمثل في خيال ذلك النبي الشاعر للحقيقة الروحانية الكبرى رأس الحقائق أعني الواجب وجسامة أمره لقد كان هذا الرجل يرى الحياة أمراً جسيماً ويرى لكل عمل إنساني مهما حقر خطارة كبرى فما كان من سيءٍ فله من السوء نتيجة أبدية وما كان صالحاً فله من الصلاح ثمرة سرمدية وإن المرء قد يسمو بصالحاته إلى أعلى عليين ويهبط بموبقاته إلى أسفل سافلين