للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن على عمره القصير تقوم دعائم أبدية هائلة خفية كل ذلك كان يلتهب في روح ذلك الرجل القفري كأنما قد نقش ثمت بأحرف النار وكل ذلك قد حاول في أشد إخلاص وأحد جدان يخرجه للناس ويصوره لهم فأخرجه وصوره في صورة تلكم النار والجنة وأي ثوب لبسته هذه الحقيقة وأي قالب صبت فيه فلا تزال أولى الحقائق مقدسة في أي أسلوب وأي صورة.

وعلى كل حال فهذا الدين ضرب من النصرانية وفيه للمبصرين أشرف معاني الروحانية وأعلاها فاعرفوا له قدره ولا تنجسوه حقه ولقد مضى عليه مئتان وألف عام وهو الدين القويم والصراط المستقيم لخمس العالم وما زال فوق ذلك ديناً يؤمن به أهله من حبات أفئدتهم ولا أحسب أن أمة من النصارى اعتصموا بدينهم اعتصام المسلمين بإسلامهم - إذ يوقنون به كل اليقين ويواجهون به الدهر والأبد وسينادي الحارس الليلة في شوارع القاهرة أحد المارة من السائر؟ فيجيبه السائر لا اله إلا الله وإن كلمة التوحيد والتكبير والتهليل لترن آناء الليل وأطراف النهار في أرواح تلك الملايين الكثيفة وإن الفقهاء ذوي الغيرة في الله والتفاني في حبه ليأتون شعوب الوثنية بالهند والصين والمالاي فيهدمون أضاليلهم ويشيدون مكانها قواعد الإسلام ونعم ما يفعلون.

ولقد أخرج الله العرب بالإسلام من الظلمات إلى النور واحي به من العرب أمة هامدة وأرضاها مدة وهل كانت إلا فئة من جوالة الأعراب خاملة فقيرة تجوب الفلاة منذ بدء العالم لا يسمع لها صوت ولا تحس منها حركة فأرسل الله لهم نبياً بكلمة من لدنه ورسالة من قبله فإذا الخمول قد استحال شهرة والغموض نباهة والضعة رفعة والضعف قوة والشرارة حريقاً وسع نوره الأنحاء وعم ضوءه الأرجاء وعقد شعاعه الشمال بالجنوب والمشرق بالمغرب وما هو إلا قرن بعد هذا الحادث حتى أصبح لدولة العرب رجل في الهند ورجل في الأندلس وأشرقت دولة الإسلام حقباً عديدة ودهوراً مديدة بنور الفضل والنبل والمروءة والبأس والنجدة ورونق الحق والهدى على نصف المعمورة وكذاك الإيمان عظيم وهو مبعث الحياة ومنبع القوة وما زال للأمة رقي في درج الفضل وتعريج إلى ذري المجد ما دام مذهبها اليقين ومنهاجها الإيمان ألستم ترون في حالة أولئك الأعراب ومحمدهم وعصرهم كأنما قد وقعت من السماء شرارة على تلك الرمال التي كان لا يبصر بها فضل