ينصرف إلى الكتب لم تجن منه سوى الخيبة. وآخر فلاح - أساس زراعي. وغيره كيماوي - تسري عليه عين القاعدة. فلتكن في بذل مالك المخلص الجاد لا اللاعب ولا الهازل ولتبخلن بدرهمك أن تنفق في غير ما فيه لذتك أو نفعك وبنفسك أن تسف بها إلى مساقط الحمق والسفه.
وإني لأخشى إن نحن طبقنا على بيوتنا هذه القاعدة إن نجدها منحرفة عن القصد حائدة المنهج غير مطابقة البتة لطبائع أربابها وأميالهم.
ولكن ماذا يصنع في بيوتنا وماذا يتبع؟ لا أري البيوت تقدمت وارتقت إلا من وجهة النظافة والصحة واستكمال آلات النعيم الجسمي من مأكل ومشرب ومتكأ - أغراض حقيرة وأغراض فانية. فلو أزلت أسقف الدور فنظرت إليها من عل لألفيتها جميعاً مطاعم فطير ودكاكين حلوى ولم تلف بينها معبداً لغير إله الأكل. ولوجدت بكل منها بكاساً. يعمل طاساً وكأساً. فما أقل عنصر الجمال الحق في سنة كهذه. وما أبعدها أن تطهر نفوس السكان وتحبوهم الرخاء والحبور من والد ووالدة وأنجال فهو مجدب من هذه النعم للضيف وصاحب الدار متعب للمرأة شاق بلا فرح. كاد بلا سرور. وكذلك البيت الذي جل القصد منه إعجاب الناس بالزينة والوفرة متعذر إلا على القلائل من بنات حواء ثم لا ينال إلا بثمن غال من العافية والراحة.
إنه إن ينظر المرء إلى هذه المسألة من وجهتها المادية هاله الأمر وراعه وحيره تعدد المطالب والمرافق لاسيما في الأصقاع الشمالية حيث الجو عاق والطبيعة قاسية فأقل حساب لحاجياتنا في هذه النواحي الوعرة يروعنا بكثرة الأشياء الصعبة الملتمس البعيدة المنال حتى نكاد نحسب صلاح البيت من المحال ونري حسن النظام أمراً أسمى من أن ترقى إليه همة بني آدم. فانظر إلى البيوت الحائزة للثروة وسلامة الذوق كيف ترى شدة احتفاظها ببعض أركان النظام مدعاة إلى تعطيلها سائر الأركان. فإن تمت عناية الأبوين بأمور الأنجال من ملبس ومأكل وتربية وتثقيف ورقابة قصرت تلك العناية بحقوق الضيفان واختلت بواجب القري فأفسدت المروءة وآذت الحسب. وإذا وظب على أوقات الطعام أسئ تنضيد الأمتعة وتنظيم الأماكن. وإذا عُنى بالحجرة أغفل البستان وإذا مدحت الساحة ذم الفناء وإذا صلحت جميع هذه فسد نعيم رب الدار وربته لشدة اشتغالهما بإصلاح البيت عن