إنه لا يسعنا إلا التسليم لكثرة ما يجب تذليله من الصعاب قبل الوصول إلى حالة مرضية وما أظن ذلك ممكناً بمجرد النقد أو إصلاح الجزئيات واحدة أثر أخري. بل بأن نجعل للحياة غرض أسمى وأشرف ويكون القصد من بناء الدار وفرشها أعلى وأمجد. وهل تعلمون خطباً أعظم. ومصاباً أجسم. وآفة أحق أن يشمر لإزالتها. وينهض لإراحتها. من أن يذهب أحدكم في بيته أو بيت أخيه من غرفة لأخري فلا يرى حقاً ولا جمالاً ويتوسم وجوه الساكنين ويتصفح أعمالهم فلا يري مبدأ ولا قصداً. وينصت فلا يسمع إلا هذراً ولغواً وصخباً ولجباً. وإن يجد نفسه مرغماً على النقد ولا يقبل نقده مدفوعاً إلى عظة من لا يسمع وعظه. وإن لا يرى في القوم من يجود بثمار لبه ويقبل ما يهبه الغير من ثمار ألبابهم - من يعطى الحكمة ويأخذ الحكمة ويقرض ويقترض الحب والرحمة. أي خير فى الدار إذا كانت كذلك. وأي ثمرة بعد هذا الفساد والنقص في صلاح الزاد وكمال الأثاث. وماذا تجدي حلاوة السكر مع مرارة العشرة وعذوبة الزلال مع ملوحة العيشة!
إن من أكبر الخطأ أن يعزو الناس هذا البلاء إلى قلة المال فتقول الزوجة لزوجها أعطني المال تحمد بيتك ولا تجد ما يسوءك إلا ترى في هذا القول معني الإيمان بقوة المال وأفراده بالسلطة المطلقة دون ما هو أحق منه بهذه السلطة أعنى إرادة الإنسان! إلا إنما الثروة في النفس لا فى النشب. وإن الغني لبالعقل لا بالذهب. ماذا تريدين بالمال؟ أنت تريدين عيشة الملوك والأمراء. وبذل الأجواد والأسخياء. أبهة القياصرة. ونعمة الأكاسرة. وقدراً لا تنزل الأرض مهداراً وكفا بالعسجد واللجين مدراراً. وأنى يستطيع ذلك من لم يؤت سعة الوقت والحال.
أعطنا المال تصلح البيوت لبئس هذا الجواب حلاً لذلك المشكل. وساء فكاً لذاك المعضل. أعطنا المال لجل ما طلبت وعظم ما سألت. ومن ذا يملك المال إلا الفئة القليلة بيد أن كل الناس لا غنى له عن البيت. والخلق لا يخرجون إلى العالم فى كساء من الذهب. وطلب المال مهلكة يبلى الطالب وما فاز بطلبته.
على أن حل المشكل بالمال على تعذره حل باطل. والمال آلة العاجز ووسيلة الناقص. فأما العاقل فإنه يحمى أنفاً أن يلتمس البغية إلا برجاحة لبه. أو يستفيد مودة الخلق إلا بثروة