للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفسه وقلبه وليست الهبات والعطايا حقيقة خير بل خيال الخير وظله وتعلة من الخير الحق وبلغة إلى حين. أو إن شئت فقل هي رشوة السكوت عن أداء الدين الواجب وورقة تنوب مناب المبلغ المطلوب لا قيمة لها حتى يؤدي. فإن لابن آدم علينا حقاً أعظم من الدفء والزاد. وإنما دين الرجل لدينا رجل مثله وحق النفس الآدمية علينا نفس مثلها. وإذا رأيت أخاك ضجراً متبرماً مهموماً متألماً فذلك لأنك أكلت حقه عليك من بنات صدرك وذات نفسك ولويت دينه لديك من مادة روحك التي تفيض وروحه من عين واحدة. لقد كان حقاً عليك أن تعوده في مرقده تسليه وتؤيده وتعطيه لا من مالك فإنه حقير وإنما من بطولتك وطهارتك ومن إخلاصك وأيمانك. لقد كان حقاً عليك أن تسوق إليه تلك الروح التي هي النور والعافية والقوة فأما هبتك المال إياه بدلاً من هذه النفائس فذلك من الغبن والظلم بمنزلة ما تأتيه الزوجة الفارك من اشتراء طلاقها بالمال من زوجها. وقدماً كان اعتماد العظيم على قلبه ورأسه لا على جيبه وكيسه. وكما أن الماس أشرق ما يكون في إطار الرصاص فكذلك العظمة والفضيلة أنصع ما تكون في الفقر والخلة وقد كان أعظم خلق الله وسيد الناس طراً معسراً فقيراً. وهل كان إلا كذلك قادة اليونان وسادة الرومان. قال بلوتارك (فلوطرخس) عن أرسطيديس وكان أرسطيديس قد ولي الخراج يجيبه من عامة الأقطار اليونانية لقد ولى الخراج فقيراً وتركه أشد فقراً وكيف كانت حال أرسطو وأميلياس وأبيموننداس وكاتو؟ وأى دار كان يسكن الحواريان يوحنا وبولس؟ وأي منزل كان يقطن جون ملنون وصموئيل جونسون؟ بل أي منزل كان يقطن صموئيل آدم في بوستون وجان بول ريتشارد في بيريث؟

هذا مشكل عويص لا يصاب فيه الحقيقة ولا يطبق مفصل السداد إلا بشيء واحد ألا وهو إدراك معنى الحياة وغاية الوجود والسمو لنيل هذه الغاية. فليعلم الناس أنه لا يكون البيت بيتاً حتى ترى كل ما فيه يشهد بأنه ما شيد ولا زخرف لأمر سوي التربية والتهذيب. وأنه ما قام ثمت تحت السماء والشمس والقمر إلا لمثل أغراض هذه الكائنات رفعة وشرفاً. وإنه ليس للهو أقيم ولا لنوم ولا للمآدب والأعياد والمزاهر والأعواد ولا للذائذ الخوان. ومناعم بنت الحان. وإنما تقلع الأدواح من غاباتها لتدعم سقوف أناس لا ينبغي أن يكونوا أقل جزالة من دعائم بيوتهم ولا يليق بهم أن يؤتوا من خور ولا خور في معاجم النبع والغرب.